بذور تنموية
لاشك في أن الوحدة الإدارية الحاضنة الأساسية للخدمة والتنمية والاستثمار (للمشاريع بمختلف أنواعها) والداعم الأساسي لها، ولأن الخدمات الحقيقيّة والمستدامة تنطلق من رؤية تنموية معاصرة، فإن محصلة الدور التنموي المطلوب تكون في الإدارة الكفوءة والمبدعة للموارد المتاحة التي تعمل على توليد الأفكار الجديدة نحو نوافذ استثمارية في الوحدات الإدارية لتوليد فرص عمل حقيقية تقاوم الفقر وتحسّن نوعية الحياة وتقود التغيير الاجتماعي الإيجابي، وهنا تكمن غاية التنمية الحقيقية، وبالتالي التنمية العادلة هي التي تنطلق من المحليات.
تدرك الحكومة أن التطوير الاقتصادي المحلي يعتمد بشكل كبير على الوحدات الإدارية، لأنها المسؤولة عن الانخراط مع القطاع الخاص لتحريك الموارد وتشجيع النمو فيها، وتوفير بيئة تدعم تأسيس الأعمال والنمو الاقتصادي. ولهذا كان الدور الذي تمثل بذراع وزارة الإدارة المحلية والبيئة المعنية بدعم المشاريع التنموية بمختلف أنواعها، سواء من موازناتها أم بتمويل نهائي من الموازنة العامة للدولة أو بالتشارك مع الجهات غير الحكومية.
وإذا كان السؤال: كيف تتمّ عملية تمهيد الطريق أمام الحكومة لخدمة المجتمع المحلي؟، يأتي الجواب عندما تمّ اعتماد محافظة اللاذقية كنموذج تمّ تعميمه على باقي المحافظات فيما بعد عبر إطلاق برنامج تدريبي لتنمية الاقتصاد المحلي شمل المحافظات كلها يستهدف رؤساء الوحدات الإدارية والفنيين فيها، والنيّة تعزيز الدور التنموي للوحدات الإدارية بالاستفادة من الخصائص التي تمتاز بها والتي تساعدها على تحقيق التنمية الاقتصادية، ولاسيما أن الخصائص المحلية هي التي تشكل البذور التي منها يمكن أن يتمّ تطوير استراتيجية التنمية المحلية بغية تحسين فرص النمو على المستوى المحلي، وإفساح المجال أمام البلديات لتوسيع نشاطها التنموي وكيفية إدارة الاستثمارات وأملاك الوحدات الإدارية وتنمية الموارد المالية واستثمارها في مشاريع صغيرة ومتوسطة لرفع سوية الخدمات في جميع الوحدات الإدارية.
ويأتي التعويل على تشكيل لجان تنموية وفق توزيع مناطقي، تضمّ كل منطقة مجموعة من الوحدات الإدارية لإنجاز ومتابعة المشاريع المقترحة من لجنة تنمية الريف الفقير بغية ترويجها واستقطاب المواطنين والوحدات الإدارية الراغبة بالاستثمار بمشاريع تنموية ذات طابع إنتاجي. في الوحدات الإدارية المصغرة وما فوق ثمّة مشاريع استثمارية ذات مردود اقتصادي وطابع إنتاجي خاصة بالوحدات الإدارية قادرة على تنمية مواردها المالية، والبدء بإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذه المشاريع مع البرنامج الزمني للتنفيذ وآلية المتابعة المدعمة بالتمويل اللازم.
ويمكن القول إن سلة المشاريع الاستثمارية التنموية ذات الطابع الإنتاجي، لا ينقصها سوى رغبات الأشخاص الراغبين بتنفيذ مشاريع إنتاجية صغيرة، وبالتالي الاستفادة من استعداد وزارة المالية والمصارف العامة لإعداد الآلية التنفيذية اللازمة لمنح القروض للمستفيدين في مشروعات تنمية الريف بمختلف أنواعها (صغيرة أم متناهية الصغر).
ما سبق التطرق إليه من عناقيد تنموية صغيرة لا يمكن التقليل من أهميته، ولاسيما أن هذه الريادة يمكن أن تكون رديفة لدعم إحداث وتنفيذ واستثمار المناطق الصناعية والحرفية في جميع المحافظات، من خلال تأمين المقاسم اللازمة لاستيعاب الحرف والصناعات الصغيرة والمتوسطة وبعض الصناعات الكبيرة غير الملوثة، وهنا لايمكن تحييد حقيقة تمويل 113 منطقة بمبـلغ إجمالي 7,061 مليارات ليرة.
بالعموم إن استهداف الأرياف والتجمعات المحلية المصغّرة يشكل نواة لتحريك دولاب النمو والنشاط الإنتاجي المثمر والذي يستقطب الأيدي العاملة، ويجعل المجتمع منتجاً ومشغلاً لذاته لا اتكالياً ومتطفلاً، وفي الكثير من الأحيان متسولاً لفرصة العمل التي تتوفر بين الأيدي بتضافر جهود المجتمع المحلي مع ما تخطّط وتبرمج وتنفذ له مؤسسات الدولة شريكة المبادرات ومتلقفة التوجهات، وهنا لابد من التسويق الذي يجب أن ينمو ويكبر والترويج اللازم كي لا تضيع الهمم وتنام الإرادات وتغفو الخطط في أدراج النسيان والإهمال!.
علي بلال قاسم