الأزمة المالية القادمة
ترجمة:عناية ناصر
عن موقع ميسيز انستيتيوت 19/11/2018
قرأنا مؤخراً العديد من التعليقات حول الركود القادم والأزمة المالية التالية، خاصة في الذكرى السنوية العاشرة لانهيار بنك ليمان براذرز. السؤال ليس ما إذا سيكون هناك أزمة، ولكن متى؟!! لقد شهدنا في الخمسين سنة الماضية أكثر من ثماني أزمات عالمية والعديد من الأزمات المحلية الأخرى؛ لذلك فإن احتمال نشوء أزمة أخرى كبيرة للغاية وارد بقوة، ليس فقط بسبب السنوات التي مرت منذ أزمة عام 2007، ولكن لأن العوامل التي تدفع بأزمة عالمية تتراكم.
ثلاثة عوامل تتسبب بحدوث أزمة مالية
– السياسات المؤثرة في الطلب، والتي تدفع إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد خطر.لا يمكن أن يحدث التهاون والمخاطرة الزائدة دون وجود اعتقاد واسع الانتشار بوجود شبكة أمان أو وسيط حكومي أو بنك مركزي يدعم الأصول الخطرة. تأتي مصطلحات مثل “البحث عن العائد” و “وضغط أسعار الفائدة لتبقى أدنى من مستوى السوق” من إشارات الطلب الزائفة التي وضعتها القوى النقدية والسياسية.
– الإفراط في المخاطرة في الأصول التي ينظر إليها على أنها خالية من المخاطر أو قادرة على المقاومة. ومن المستحيل بناء فقاعة على أصل، حيث يرى المستثمرون والشركات مخاطر غير عادية. يجب أن يحدث ذلك في ظل الاعتقاد بأنه لا يوجد أي مخاطر مرتبطة بالتقييمات المرتفعة لأن “هذه المرة مختلفة”، تغيرت الأساسيات أو هناك نموذج جديد، جمل نسمعها كلنا مرات أكثر مما سمعناها في السنوات الماضية.
– الإدراك أن هذا الوقت غير مختلف، فالفقاعات لا تنفجر بسبب عامل واحد ، كما قيل لنا أن نعتقد. لم يبدأ 2007-2008 بسبب ليمان، فقد كان مجرد عرض لمشكلة أوسع نطاقاً بدأت تنفجر بجرعات صغيرة قبل ذلك بأشهر. زيادة الاستدانة المفرطة والتي أفشلت النمو المتوقع.
عوامل الأزمة المالية المقبلة
– الديون السيادية، فالأصول الأكثر خطورة اليوم هي السندات السيادية ذات العوائد المنخفضة بشكل غير طبيعي، والتي تضغطها سياسات البنك المركزي. ومع وجود سندات ذات عوائد سلبية بقيمة 6.5 تريليونات دولار، من المرجح أن تضاف الخسائر الاسمية والحقيقية في صناديق التقاعد إلى الخسائر في فئات الأصول الأخرى.
– تصور غير صحيح للسيولة والقيمة المعرضة للخطر. حيث دفعت سنوات ارتباط الأصول المرتفعة ومع الفقاعة المتزامنة التي تدفع المستثمرين إلى الاعتقاد بأن هناك دائماً كمية كبيرة من السيولة في انتظار السيطرة على الارتفاع. هذه ببساطة خرافة. تلك “السيولة الضخمة” هي مجرد رافعة مالية وعندما تبدأ مطالبات الهامش والخسائر في الظهور في مناطق مختلفة مثل الأسواق الناشئة، والأسهم الأوروبية، ومخزونات التكنولوجيا الأمريكية، فإن السيولة التي يعتمد عليها معظم المستثمرين للاستمرار في تغذية هذا الارتفاع تختفي ببساطة، لماذا؟ لأن القيمة المعرضة للمخاطر هي أيضاً محسوبة بشكل غير صحيح.
عندما تصل الأصول إلى مستوى غير طبيعي وتكبح التقلبات بسبب كثرة عمليات شراء الأصول من البنوك المركزية، فإن تحليل المخاطر والخسائر المحتملة هو ببساطة غير فعال، لأنه عندما تسقط الأسواق فإنها تسقط بشكل متزامن، كما نشهد هذه الأيام تشوه التحليل التاريخي للخسائر بالتأثير الهائل لإجراءات السياسة النقدية في تلك السنوات. وعندما يبدأ أكبر محرك للتضخم في أسعار الأصول، والبنوك المركزية، تبدأ بالتفكك أو تصبح ببساطة جزءاً من السيولة المتوقعة، كما في اليابان، يتلاشى تأثير العلاج الوهمي للسياسة النقدية على الأصول الخطرة.
وتتراكم الخسائر
تسببت مغالطة النمو المتزامن بداية فيما يمكن أن يؤدي إلى الركود القادم، والاعتقاد العام بأن السياسة النقدية كانت فعالة للغاية، وأن النمو كان قوياً ومعمماً، وأن زيادة الدين كان مجرد أضرار جانبية وليس قلقاً عالمياً. ومع مغالطة النمو المتزامن جاء الرضا المفرط وتسارع الاختلالات. اندلعت أزمة عام 2007 لأنه في عام 2005 و 2006، استسلم حتى أكثر المستثمرين حكمة لمطاردة الأسعار الصاعدة. وتسارعت في عام 2017، بالمعتقدات الخاطئة بأن الأسواق الناشئة كانت جيدة لأن مخزوناتها وسنداتها كانت مرتفعة على الرغم من “تطبيع” الاحتياطي الفيدرالي.
كيف ستكون الأزمة القادمة؟
لا شيء يبدو مثل الأزمة الأخيرة. العدوى أكثر صعوبة لأن هناك بعض الدروس المستفادة من أزمة ليمان. هناك آليات أقوى لتجنب تأثير الدومينو على نطاق واسع في النظام المصرفي.
عندما تكون الفقاعة الكبرى هي الديون السيادية، فإن الأزمة التي نواجهها ليست أزمة الخسائر الهائلة في الأسواق المالية والعدوى الاقتصادية الحقيقية، بل انخفاض بطيء في أسعار الأصول، كما نشهد، والركود العالمي.
من غير المرجح أن تكون الأزمة القادمة هي ليمان آخر، لكن يابان أخرى، زحف واسع النطاق للاقتصاديات العالمية لتجنب ألم إعادة تسعير كبيرة للسندات السيادية، التي تؤدي إلى رفع الضرائب الضخمة لدفع المصالح المتصاعدة ولمواجهة الركود الاقتصادي و البطالة.
ومن الواضح أن المخاطر يصعب تحليلها لأن العالم دخل في أكبر تجربة نقدية في التاريخ دون فهم للآثار الجانبية والمخاطر الحقيقية المرفقة. لقد شهدت الحكومات والبنوك المركزية صعود أسواق فوق المستويات الأساسية والمستويات القياسية للدين كأضرار جانبية، ومشاكل صغيرة ولكنها مقبولة في البحث عن نمو متزامن لم يحدث قط.
وسيلقى باللوم في الأزمة التالية، مثل الأزمة المالية 2007/2008، على أحد الأعراض (ليمان في تلك الحالة) ، وليس على السبب الحقيقي. ومع ذلك فإن الأزمة القادمة ستواجه البنوك المركزية التي لا تملك أدوات حقيقية تقريباً لإخفاء المشاكل الهيكلية للسيولة، ولا مساحة مالية في عالم حيث تشهد معظم الاقتصاديات فيه عجزاً مالياً للسنة العاشرة على التوالي، كما أن الديون العالمية في أعلى مستوياتها على الإطلاق.
متى ستحدث الأزمة ؟ نحن لا نعرف، ولكن إذا لم تؤخذ علامات التحذير التي ازدادت هذا العام على محمل الجد، فمن المرجح أن تحدث في وقت أقرب من المتوقع. ولن تلوم الحكومات والبنوك المركزية نفسها، لكنها ستقدم نفسها -كما هي الحال- على أنها الحل.