على عتبة الإعمار تساؤلات عن حقيقة دور القطاع الخاص.. والصناعيون يعتقدون أن البطالة كذبة لا وجود لها!!
خرج القطاع الخاص خلال سني الحرب عن سكة الاستثمار الوظيفي، ولم يتمكن من لعب الدور المأمول لعدة أسباب كانت الأزمة أكبرها، ورغم ضبابية وعدم دقة الرقم الذي يشير لنسبة هذا الغياب، إلا أننا لا يمكن أن نعتبره معضلة أمام ابتعاد بعض المنشآت عن تتبع آخر ما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بهذا الخصوص، ما يدفع الكثيرين “للهمز واللمز” عن سبب عدم الاهتمام والتراخي، فهل يبقى الاستثمار الوظيفي من قبل “الخاص” رهن ضعف النية، أم يبقى خوف المواطن من رب العمل يدفعه للتشبث بـ “العام” على عيوبه؟!.
من طرف واحد
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحاول البحث عن سبل للتعاون مع جهات خاصة لتوفير فرص التوظيف في أروقتها، إذ أشار مدير مرصد سوق العمل في الوزارة محمود الكوى إلى وجود شراكات مع عدد من البنوك، من ضمنها بنك البركة، وبنك سورية الدولي الإسلامي، وتم تنفيذ برنامجين تدريبيين، واستهداف 75 طالباً قيد التخرج، كما قام المرصد بمسح لحاجة المدينة الصناعية بحلب، في محاولة لرفدها باليد العاملة، وزارة الشؤون الاجتماعية– والقول للكوى- تسعى جاهدة لتحويل القطاع الأهلي من مساره الإغاثي إلى التنموي، لتصبح إغاثة تنموية، وربط الإغاثة بفرص العمل، وهذا تم تنفيذه مع بعض أعضاء غرفة صناعة دمشق وريفها، “كشركتي أديداس وماجيلا”، موضحاً أن أي جهد حتى يثمر يحتاج لتعاون كافة الأطراف، والجهد الحكومي المبذول لتوفير فرص العمل لن يعطي نتائج ما لم يتم التعاون مع القطاع العام والخاص والأهلي، في وقت تعمل الشؤون على تعزيز فهم المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص الذي من حقه أن يكون الربح أولى أولوياته، إلا أن الاستثمار برأس المال البشري يحقق الربح أيضاً، على حد تعبير الكوى، بالتزامن مع محاولة خلق جسر من الثقة بين الباحث عن العمل، والقطاع الخاص عبر تطوير المنظومة التفتيشية.
“تعريف لا توظيف”
بدوره بيّن محمد مهند دعدوش، رئيس القطاع الصناعي في غرفة صناعة دمشق، أن الغرفة تواصلت منذ أربع سنين مع وزارة العمل، وقامت بعدة ندوات تعريفية لتعريف الصناعيين على كيفية الاستفادة من الأيدي العاملة، وعزا دعدوش عدم الاستثمار الناجح للراغبين في العمل إلى قدم الداتا التي تملكها وزارة الشؤون، وعدم تجديدها، حيث قام الصناعيون في ذلك الوقت بإرسال كتاب للغرفة مفاده حاجتهم لليد العاملة، مقدماً معلومات عن نوع العمل، ومكان المنشأة، بدورها قامت الغرفة بإرسالها للوزارة، إلا أن الداتا القديمة حالت دون الحصول على يد عاملة، بحسب تعبيره، في الجانب الآخر رد مدير مرصد سوق العمل على رئيس القطاع الصناعي بأن ملاحظاته كانت صحيحة في عام 2015، لأنه آخر تاريخ تواصل فيه مع المرصد، وبذلك التاريخ كانت الشؤون منفصلة عن العمل، ولم يكن المرصد مفعلاً بشكل فعلي، حيث كانت الداتا ترسل من قاعدة بيانات مكاتب التشغيل، واليوم- والقول للكوى- بوسع الصناعيين وغيرهم من أصحاب العمل الدخول وتسجيل حاجتهم من الأيدي العاملة بشكل مباشر دون الحاجة لمراجعة أية جهة، أو الدخول في الورقيات، ومن دون إرسال كتب، بل عبر البوابة الالكترونية التي أحدثتها الوزارة، لأن المسجلين من الـ 2011 لابد أن معلوماتهم الشخصية قد تغيرت بسبب الحرب، وهذا الموقع يذلل الصعوبات أمام رب العمل، واعتبر الكوى أن إحدى نقاط الضعف تتمثّل بعدم معرفة المعنيين أصحاب القرار في القطاع الخاص بالخدمات التي يقدمها مرصد سوق العمل، رغم إرسال “الشؤون” لغرفة الصناعة والتجارة والسياحة وغيرها كتباً واضحة بإطلاق البوابة الالكترونية، وأفاد الكوى بأن الصورة النمطية التي مازالت في أذهان أصحاب العمل بالعودة إلى مكاتب الترشيح ذهبت إلى دون رجعة، حيث تجاوزت الوزارة الروتين والبيروقراطية، في وقت رأى رئيس غرفة الصناعة ضرورة التوعية بأهمية العمل في القطاع، وأمام صعوبة توفير الوظائف من قبل الدولة، والثقل الوظيفي في القطاع العام، فإن “الخاص يولول”، وهو قادر على استيعاب كل المتقدمين، بحسب دعدوش.
كذبة البطالة
وبرأي دعدوش فإن البطالة كذبة، سواء قبل أو بعد الأزمة، ابتدعها الراغبون بالاتكال على الدولة، مبيّناً أن من يحمل بين يديه مهنة أو “صنعة” من المستحيل أن “يقعد” دون عمل، فهو قادر على تطوير ذاته، والمشكلة لا تتعدى التوعية بأهمية الاعتماد على النفس، مؤكداً ضرورة عدم التخوف من القطاع الخاص، وتغيير الصورة المأخوذة عنه بعدم تمسكه بموظفيه، إذ رأى دعدوش أنه من غير المعقول أن تقوم منشأة عريقة بطرد موظفيها أصحاب الخبرة، مشيراً إلى أن حاجة القطاع الخاص حالياً هي يد عاملة منتجة، ومهنيون أكثر من حاجتها لمهندسين.
فوارق
أما الدكتور عابد فضلية، “كلية الاقتصاد”، فقد بيّن أن الناتج الإجمالي المحلي للقطاع الخاص يشكّل حوالي (70%) من إجمالي الناتج المحلي السوري، أي أنه يشغل (65 إلى 75%) من اليد العاملة السورية، وبالتالي فإن النسبة الأكبر من فرص العمل يؤمنها القطاع الخاص، وقبل الحرب وصل القطاع العام إلى مرحلة لم يشغل فيها سنوياً أكثر من (50 ألف عامل)، وهم غالباً (بديل لمن يتقاعد أو يستقيل لا أكثر ولا أقل، في الوقت الذي كان يدخل سنوياً إلى سوق العمل (حوالي 250 ألف باحث عن العمل)، أما خلال الحرب فقد اختلت كل المؤشرات والمعادلات بسبب الظروف، واليوم يوجد فائض باليد العاملة من الإناث مقابل نقصها أمام الذكور، ويوجد فائض يد عاملة من حملة الإجازات الجامعية غير الفنية (من الجنسين)، ونقص يد عاملة فنية وتقنية (من كلا الجنسين)، كما يوجد فائض يد عاملة عموماً في مجمل المحافظات، فاستغل القطاع الخاص ذلك وسحب ما يلزمه من المدرّب مقابل دفعه رواتب وأجوراً أعلى من القطاع العام.
حلول
في القطاعات الإنتاجية، يقول فضلية: لا يمكن حل مشكلة نقص الخبرات والكفاءات أو الاحتفاظ بها إلا بالإصلاح الإداري والمالي، والتمسك بمبدأ تكافؤ الفرص، وإعادة النظر بآلية التدرج بالمراتب الوظيفية، ومعالجة الخلل بالرواتب والأجور، وتقليص الفجوة بين مستوى الرواتب، ومستلزمات المعيشة، باستثناء المفاصل الإدارية العليا التي تجذب الموظفين إليها لاعتبارات شخصية، واجتماعية، أو سلطوية، أما التأهيل والتدريب فقد اعتبره فضلية بمعظمه غير جدي وغير مجد، وكذلك التعليم المتوسط والفني والمهني، لأن رواتب خريجيه منخفضة، وإن وجد الكفء فعلاً من هؤلاء المتدربين أو الخريجين، فلا يبقى في وظيفته لدى القطاع العام بل يذهب إما إلى العمل مستقلاً ولحسابه، أو لدى القطاع الخاص، وأكد الدكتور فضلية على ضرورة إصلاح قطاع (معاهد ومؤسسات التعليم الفني والتدريبي)، بدءاً من تشريعاته وأنظمته المالية، وتعويضاته، مروراً بإصلاح مؤسسات التعليم والتدريب بحد ذاتها، (وعدم معاملتها حكومياً) وكأنها مركز لنفي المديرين والموظفين والمدربين والمدرّسين ومعلمي الحرفة، والقول لفضلية، إلى جانب إيلاء المخابر ووسائل ووسائط وأدوات وآليات التدريب أهمية كبيرة، وتدعيم التعليم النظري بالعملي داخل وخارج هذه المؤسسات، وانتهاء بمستوى الرواتب والأجور للقائمين على هذه المؤسسات ولخريجيها، يقول فضلية: من المهم رفع (يد واصبع وأنف) “بعض” الجهات الرقابية والتفتيشية عن العمل العام عن طريق ضبط آلية عملها، حيث إن بعض موظفي ولجان هذه الجهات تُرعب الموظف والعامل والمبادر والمبدع، وهو متهم مسبقاً قبل أن يقابله موظفوها، وهي جهات لديها لجان (بعضها تنكّش) بدلاً من أن تفتّش، وإن فتشت لاحقاً فهي لا تمارس الرقابة القبلية، بل فقط تتوقف عند حرفية الأنظمة والتعليمات وليس عند المصلحة العامة، عدا عن ضرورة ترك مجال للمرونة في العمل، وهذا ليس وارداً في قاموس هذه الجهات، والقول للدكتور فضلية.
نجوى عيدة