الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الوجه المشرق للحياة

سلوى عباس

الصداقة هي الوجه الناصع للحب، والأصدقاء وجهٌ جميل للحياة وقِصةٌ لاَ تنتهِي، والمسافات ﻻ تبعدنا أو تقربنا من الآخرين، القلوب هي التي تفعل ذلك، والناس مثل الكتاب، بعضهم فيه الحكمة والعقل، وبعضهم كالغلاف والصور لا يمتون للصداقة بشيء، فالصداقة تقترن بالصدق مع النفس ومع الآخرين، ومعظمنا إن لم نكن كلنا، نردّد من الحِكم والأقوال المأثورة ما يُؤكّد معنى اقتران الصداقة بالصدق، مثل: “صديقك من صدَقَك لا من صدّقك”، لكنني هنا أؤكد أيضاً على من “صدّقك” ووثق بك وكنت مرآته الحقيقية بعيداً عن عبارات “بيني وبينك، وأتمنى أن يبقى بيننا.. إلى  ما هنالك من عبارات تحمل في طياتها شيئاً من عدم الثقة بمن نبوح له بسرنا، مع أننا نعطيه لأصدقاء نعتبرهم مرآتنا التي ترينا عيوبنا كما ترينا محاسننا، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف سيصبح هذا العالم لو طبقنا الحكمة في حياتنا، وهل كل شخص يستطيع تطبيقها؟ أم أن هذه الحكمة تتكلم عن صداقة نموذجية قلما نجدها في حياتنا؟ تساؤل يحمل الكثير من الإشكال، والأمثلة كثيرة على صداقات تبدو في ظاهرها على أتم حال، لكن إذا دخلنا في التفاصيل نرى أن المجاملات هي التي تحكمها، وهنا تحضرني حالات عشتها أنا مع أصدقاء تعاملت معهم وكأنهم ذاتي، كنت أناجيهم حقائقي واختلاجاتي وأكلمهم كأنهم مرآتي، وفي تعبي أهرب لفيء ظلالهم، وعلى ضفاف أرواحهم أرمي همومي وتعبي وأصارحهم بأي مشكلة تواجهني لقناعتي أن الصداقة حالة وجدانية ناظمها الصدق مع الذات أولاً، ومن ثم مع الآخر، لكنهم في حالة مشابهة يعيشونها هم كانت ردة فعلهم على أي ملاحظة أبديها -أنا التي أعتبر نفسي شريكة لهم في الضراء قبل السراء- تنبت الكثير من الأحزان والزعل، تهب كما الفطور سريعاً فتملأ المكان والقلب بالأسى، يقفلون باب زعلهم عليهم وأقرأ في عيونهم مداراتهم لأمر ما يترددون في الإفصاح عنه، ويتركوني على رصيف حيرتي وارتباكي لا أعرف ماذا أفعل دون أن يفصحوا عن ما يزعجهم، هؤلاء الأصدقاء الذين كانوا بالنسبة لي ظلي وطيفي الذي لا يغادرني بعيداً، وكنت أحسهم أنهم أنا، ربما يخافون من الوقوع في مطبات عاشوها مع البعض ممن اعتبروهم أصدقاء لهم، لكن الأصدقاء لا يحاكمون بمعيار واحد، فالصدق والثقة هما الناظم لصداقاتنا، حتى لا نرى أنفسنا على مفترق الخسارة لبعضنا مع كل موقف نتعرض له، من هنا وانطلاقاً من أن الصديق الحقيقي هو من يصدق معنا وينبهنا على زلاتنا وليس الذي يوافقنا على ما نفعل ولو كنا على خطأ، فحكم الصداقة يفرض علينا أن ننظر لأصدقائنا كما لو أنهم ظلنا وانعكاس وجهنا على المرآة، هل لنا أن نقف مع أنفسنا، نراجع حساباتنا ونعيش لحظات من الوفاء لأنفسنا ولأصدقائنا ونتعامل بشيء من الصدق الذي يمتن صداقتنا لا أن يضعنا في كل مشكلة تواجهنا على مفترق الخسارة لبعضنا، ولنعتمد مقولة “صديقك من صدقك وصدّقك” بقناعة وبما يجعل علاقاتنا مع بعضنا أكثر رحابة وصفاء، فالأصدقاء هم الوجه المشرق للحياة.