ترامب.. وكشف المستور
“إسرائيل من دون السعودية ستواجه الكثير من المتاعب، والسعودية تنفق مليارات الدولارات علينا، وتتصدّى لإيران”، بهذه الكلمات لخّص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبب علاقات بلاده الوطيدة مع النظام السعودي، وحرص إدارته الشديد على حمايته، ودفاعه المستميت عنه، حتى لو دمّرت منطقتنا، وقتل شعبنا، وشرّد، وهجّر داخل الحدود وخارجها، وحتى لو كان هؤلاء متهمين بجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب العربي ومواطنهم، الذي من المفترض أنهم خدم له حسب ما يرفعون من شعارات.
ما قاله ترامب ليس بجديد، وما أضافه هو أنه كشف المستور، وفضح ما كان يجري في السر بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة ونظام آل سعود ودوره الوظيفي في المنطقة، والذي يقتصر على حماية أمن “إسرائيل”، وضخ مليارات الدولارات في الخزينة الأمريكية كلما اقتضت الحاجة، إن كان عبر صفقات السلاح، أو ثمناً للسكوت عن جرائم هذا النظام بحق شعبنا العربي، وكل الشعوب التي تقف إلى جانبنا دفاعاً عن قضايانا العادلة والمحقة، ولو وسّعنا دائرة البحث أكثر نجد أن ما قاله ترامب قد وضّح على رؤوس الأشهاد ما جرى في منطقتنا خلال السنوات الثماني الماضية من استهداف غير مسبوق في التاريخ المعاصر لسورية، وما يجري من قتل وتجويع في اليمن، وما سبقه من احتلال لدول كما جرى في العراق، وما يجري الإعداد له خلف الكواليس لتصفية القضية الفلسطينية، إضافة إلى ما يجري من عبث بأمن المنطقة من خلال استمرار حصار إيران وإبقائها تحت ضغط العقوبات، إذ إن ضمان أمن “إسرائيل” يتطلّب استنزاف جميع الدول التي رفضت التطبيع والمشاريع الصهيوأطلسية، وبطبيعة الحال التي ناهضت سياسة الإدارات الأمريكية والتي ترسم استراتيجيتها بشكل رئيسي بناءً على ما يتطلّبه إطالة عمر الكيان الصهيوني.
إذاً مشكلتنا الحقيقية ليست مع أمريكا، فلا يخفى على أحد أنها دولة استعمارية تؤمّن رفاهية شعبها على حساب ما يسفك من دماء الأبرياء بالأسلحة التي تنتجها، وطالما أننا ندرك تلك الحقيقة، فيمكن أخذ الحيطة، وإيجاد السبل الكفيلة في حماية أمننا واستقرارنا، وبالتالي فإن جوهر مشكلتنا مع الأنظمة التي تؤدي دوراً وظيفياً، والذي ينحصر بقاؤها بتنفيذ كل ما يملى عليها من البيت الأبيض من مطالب، وبالتالي فهي تظهر شيئاً، وتضمر شيئاً آخر مختلفاً شكلاً ومضموناً، ويأتي على رأس تلك الأنظمة نظاما آل سعود وأردوغان، اللذان تكفّلا في هذه المرحلة بإبقاء جذوة النار مشتعلة بالدرجة الأولى في سورية، بسبب موقعها الجغرافي وسياستها المناوئة لأمريكا والكيان الصهيوني، وثانياً الدول الحليفة والصديقة لها، ويكفي النظر سريعاً إلى خريطة بؤر التوتر الرئيسية في المنطقة والعالم ليشكّل المتابع فكرة تامة عن أسبابها، والمرتبطة كلياً بمحاولات أمريكا الإبقاء على هيمنتها، وحماية قاعدتها المتقدّمة “إسرائيل”.
ما تقدّم يؤكد أنه لن يأتي اليوم الذي يلعب فيه النظام السعودي دوراً إيجابياً في التهدئة، أو في إيجاد حلول لأزماتنا المفتعلة بيد الغرب وبأموال الخليج القذرة، أو أن يؤدي واجبه في حماية المقدسات كما يدّعي، وكذلك لم ولن يأتي الموعد الذي يكون فيه لأردوغان دور إيجابي في القضاء على الإرهاب، أو إغلاق الحدود أمام المرتزقة والسلاح المهرّب لها، ذلك أن دور هذين النظامين محصور بالقتل والتدمير، ومحاولة إنشاء حقائق ديموغرافية جديدة على الأرض، وتمرير صفقات ترامب، وعلى رأسها “صفقة القرن” التي يروّج لها، ويضعها على رأس أولوياته.
وهذا ما تعيه سورية ومعها الحلفاء وشعبنا العربي تماماً، وهم قادرون على خوض المواجهة حتى النهاية، وما قاله الدكتور بشار الجعفري أمس في ختام اجتماعات أستانا بأن “القوات المتواجدة على الأراضي السورية إن لم تخرج في السياسة ستخرج بأساليب أخرى” هي رسالة بالغة الدلالة، لابد أنها قد وصلت لمحور الحرب، بدءاً بالأسياد، ونهاية بالأدوات والخونة والعملاء.
عماد سالم