وسائل التواصل الاجتماعي.. اختراق للخصوصية وإدمان يؤدي إلى العزلة
ما إن ينتهي من واجباته المدرسية حتى ينغمس لساعات طويلة في غرفته بصحبة هاتفه المحمول، بعيداً عن الانخراط بأهله وبوسطه الاجتماعي، ليغدو هاتفه صديقه الوحيد في المدرسة وفي البيت، يسيطر عليه بما يحويه من مواقع للتواصل الاجتماعي، وبضع ألعاب الكترونية استطاعت أن تعزله يوماً بعد يوم عن المحيط، لينتهي به في عيادات الأطباء النفسيين، بعد أن وصلت به إلى أعلى درجات الانطواء.
شعور بالعزلة
وجدت دراسة حديثة أن المستخدمين الذين يقضون أوقاتاً طويلة في مواقع التواصل الاجتماعي، يعبّرون عن شعور متزايد بالعزلة الاجتماعية، فقضاء الكثير من الوقت في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يسبب الاكتئاب على نحو ما، وانخفاض تقدير الذات، والشعور بالنقص والدونية، وحذرت الدراسة من خطورة مواقع التواصل الاجتماعي، وما تسببه من أمراض قد تصل للعزلة الاجتماعية، والرهاب الاجتماعي، والتعايش في عالم افتراضي بعيد عن معطيات الواقع الفعلي المعاش، الأمر الذي يساهم في خلق جيل يعاني من عدة مشاكل اجتماعية، سواء داخل إطار الأسرة، أو الحياة الزوجية، أو داخل أجواء العمل، وطالبت الدراسة بتقليل ساعات الجلوس أمام تلك المواقع، ومحاولة الاستفادة من الجانب الإيجابي منها، فالاعتماد على التوحد والمعايشة مع تلك المواقع أكثر من 18 ساعة يؤدي إلى تدهور في الصحة بصورة عامة بجانب الحياة الاجتماعية.
انزلاق في القاع
لم يجد الكثير من الأشخاص بلجوء أبنائهم لمواقع التواصل الاجتماعي ما يستدعي الحرص المتزايد الذي يتحدث عنه الكثيرون، فالبعض وجد بهذه المواقع حلاً سحرياً لمشاكل كان يعاني منها الأبناء، أهمها الخجل من إبداء الرأي، والخوض في حوار مباشر مع الوسط المحيط، حيث فتحت مواقع التواصل أبواب الحوار على مصراعيها للجميع من خلف شاشاتهم دون أن يشعروا بالخجل من المواجهة المباشرة، وملاذاً للتعبير عن أنفسهم، والتواصل، وطرح الآراء والنقاش، مؤكدين على أن تعرّض الأبناء لهذه المواقع يكون وفق برنامج محدد يضعه الأهالي لهم، وضمن إشرافهم وتوجيههم كي يتجنبوا خطر انزلاق الأبناء في قاع التكنولوجيا، وإصابتهم بالتوحد والانطواء، في المقابل وجدت شريحة كبيرة من الأهالي باستخدام أبنائهم لمواقع التواصل، وجلوسهم لساعات طويلة أمام مواقع التواصل الاجتماعي، ما يساهم في انطواء الأبناء وكآبتهم، ولاسيما عند ملامستها حد الإدمان، وتعليم الأبناء مهارات التواصل الاجتماعي ضروري، ويكون حتماً من خلال الحوار الدائم مع الأبناء، وزجّهم بالوسط الاجتماعي المحيط “أقرباء وأصدقاء” كي يتفاعلوا معهم بشكل مباشر لا عبر الشاشات الوهمية.
تأثيرات خطيرة
باتت وسائل الاتصال المسيطر المباشر علينا جميعاً دون استثناء، فلا يمكن اليوم تجنب تأثيرها، ولكن نستطيع الحد منه، برأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، ولا ننكر أن تأثير هذه الوسائل على أطفالنا أكبر وأخطر بكثير من تأثيرها على البالغين، لدرجة وصلت بالكثير من الأبناء لحد الإدمان، وقادتهم للعيادات الطبية بحثاً عن حل يزيل هذا السحر الالكتروني الذي أوقف دماغ الأطفال لحد كبير، إذ إن التأثير السلبي الأكثر المباشر لمواقع التواصل الاجتماعي يكون على الدماغ ليعطله عن العمل، ويقلل من قدرة الطفل على التركيز، ويخفض مستوى استيعابهم، إضافة إلى التأثير على الجانب الأخلاقي، إذ يتعرّض الكثير من الأطفال للتحرش أثناء وجودهم على هذه المواقع، أو يتعرّضون لكلام مؤذ وبذيء، كذلك فإن التعرّض لهذه المواقع لساعات طويلة يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة والتوحد عند الأطفال، لذا يجب على الأهالي الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي التي يقوم الأطفال بتفعيل حسابات عليها، والاطلاع على قائمة الأصدقاء من وقت لآخر، وتحديد فترة محددة لتعرّضهم لها، والسعي بشكل كبير لدمجهم في المجتمع، وتواصلهم المباشر معه، والخوض بحوار مستمر مع الأبناء، مع مراعاة إعطاء مساحة من الحرية والثقة للطفل.
ميس بركات