قصائدُ تعكسُ اختلافَ الأحوال والتمنيات
في مجموعته الشعرية الثانية “تداعيات لامرأة مستحيلة” الصادرة عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السوريَّة للكتاب يبثُّ الشاعر مصطفى أنيس الحسون نجواهُ وآمالهُ وآلامه.. أفراحه وأتراحه بلغةٍ شعريِّةٍ تميلُ إلى البساطة، وصورٍ بهيَّةٍ نسجها من مفرداتٍ قريبةٍ إلى فهمِ المُتلقي، معتمداً شعر التفعيلةِ في أغلب قصائد المجموعة.
على امتدادِ مئةٍ وعشرِ صفحاتٍ من القطعِ المتوسط، تتوالى قصائدُ المجموعةِ التي تناهزُ الخمسين قصيدة، والتي تجسِّدُ التساؤلاتِ التي طرحها الشاعر الحسون في هيئةِ نصوصٍ شعرية، ضمَّنها اختلافَ أحواله وتمنياته ومكابداته ولواعجَ قلبه.
امرأة السنابل
يبتدئ الشاعر مجموعته الشعرية بالإهداء: “إليكِ يا امرأةً/ تخفقُ بينَ جفني وجفني/ يا امرأةً بطعمِ السنابل/ ونكهةِ النارنج/ يا امرأةً بعمقِ جِراحِ الأرضِ/ بلونِ السوسنِ والخزامى الذي شربَ من رحيقِ الندى/ إليكِ وأنتِ بطعمِ كلِّ ما كانَ/ وما سيكون/ إليكِ وأنتِ تلوِّنينَ الحبَّ والأرضَ والإنسان”.
ثمَّ تتوالى قصائِدُ المجموعة، أو الأسئلةُ التي صاغها الشاعرُ على هيئة قصائد، ومن أولى هذهِ القصائِدِ/الأسئلة: “إلى قديسة: تداعيات لامرأة مستحيلة” نقرأ: “من أينَ أبدأُ والحروفُ تذوبُ في شفتي ويُرهقُني السؤالْ/ يا قصَّةَ الحبِّ التي ما لوَّنَت وجهَ الدفاتر أو تجلَّت في خيالْ؟!”.
وفي ثنايا هذهِ القصيدةِ يوظِّفُ الشاعر الحسون التراث بصورة جميلة فيقول: “للحبِّ كم أعددتُ متَّكَأً ولكنّي/وجدتُ القلبَ محزوناً يُفتِّشُ في الظلام/ يا أختَ يوسف!/ فلتقِّدي كلَّ قمصانِ الهوى/ من حيثُ شئتِ/ أو اتركيني كي أُهدِّمَ/ سجنَ طيرٍ علَّهُ يشدو بتوقٍ للأنامْ”.
الاستلهام من التراث
ومن قصيدته (يوسفُ البئرِ) نقتطفُ بعضاً من ومضاتهِ الجميلة كقولهِ: “أنا يا أبي يوسفُ البئرِ/لا أخرجتني سيَّارةُ القومِ/لا راودتني نساءُ العزيز/ ولا صرتُ قديس من أوجعتها سهامُ العشيقِ وراحَ يُعيدُ لها الليل صبحا/أنا يوسفُ الذئب/ لم يستبِقْ أخوتي/ ذاتُ غدرٍ/ ولكن ذئابَ الوجودِ/ تُسابِقُ بعضاً بنهشي مراراً/ وتزدادُ حولي سياطُ الظلامِ/ عويلاً/ ونبحا”.
تتنوَّعُ “التداعياتُ” التي يبثها الشاعرُ فهي تتبدى تارةً بصورة المرأة الحبيبة، وأخرى بهيئةِ الأم أو الوطن أو الابنة، غير أن هذه التمظهرات جميعها تتفقُ في صورة واحدة تضمُّ جميع هذه الأطياف وهي: الوطن. من قصيدتهِ “حبٌّ وترابٌ ودموع” يبثُّ الشاعرُ حبَّهُ للوطن في نصٍّ شفيف فنقرأ: “علَّمتني ذرَّةٌ صغرى بقيعانِ بلادي/ كيفَ حبُّ الناسِ للَّهِ وللأرضِ وللعشبِ يكونْ/ علَّمتني أنَّ خبزَ الناسِ أغلى ما يكونْ/ علَّمتني غمزةٌ من عينِ محبوبي بأن أطفو على كلِّ الهمومْ/ علَّمتني أنَّ حبَّ الناسِ دمعٌ/ تستلذُّ بهِ العيونْ..”.
وحين يبحثُ الشاعر عن ذاته ينسجُ لنا بمدادِ غربتهِ ملامحَ قصيدتهِ “غريباً أراني” ومنها نقرأ: “غريباً أراني/ أفتِّشُ بينَ الجهاتِ وبيني/ فلا الخيلُ تصهلُ حينَ تراني، ولا النايُ تسرقُ قيثارَ نبضي/ ولا النورُ يرشفُ لألاءَ عيني/ تراني خيالاً بدأتُ وسرتُ/ تراني سراباً..”.
وللطفولة نصيبها في المجموعة، ومن تضاعيفها نقرأُ بوح الشاعر “إلى ضوءِ القلبِ الجديد: جود” إذ يقول: “وأعلمُ أنَّكَ صوتي الذي/ سوفَ يبقى يعرِّشُ في الصمتِ/ يبحثُ بينَ ثنايا الغيومِ/ ليرتدَّ صُبحاً/ يلوِّنُ دربَ النسيمِ نسيماً/ يردُّ الصدى../ سلامٌ عليك../ وأنتَ تمدُّ إلى الصبحِ شمساً/ تحاولُ أن تستردَّ حنين القوافي/ وتملأُ بالضوءِ هذا المدى…”.
الشاعر مصطفى أنيس الحسون من مواليد إدلب عام 1970م يحملُ إجازةً في اللغةِ العربية ودبلوم تأهيلٍ تربوي من جامعة دمشق، وهو يعمل موجهاً أول لمادةِ اللغةِ العربيةِ في وزارةِ التربية، نشر العديد من القصائد والأبحاث والدراسات الأدبية في صحفٍ ودورياتٍ محلية وعربية، وصدر لهُ المجموعة الشعرية (عندما يأتي الخريف) ويستعدُ لإصدار مجموعتيه الشعريتين: (لرحيلٍ خلفَ الأزمنة) و(طقوس للحب والحلم والكتابة).
نضال حيدر