المزارعون يطالبون بتشميل المحصول بصندوق الكوارث الطبيعية! موسم الزيتون في طرطوس دعم غائب وخسائر وأضرار فادحة..
لم يهنأ مزارعو الزيتون في طرطوس هذا الموسم، فالكثير منهم لم يجن حبة واحدة من بستانه إثر انتشار ذبابة الثمار الجائحة التي قضت على الموسم، وبعد أن “عبست” الطبيعة بوجههم، وقفت الجهات المعنية “ساكنة”، فالمزارع تكلّف بغراس الزيتون، وكافة مستلزمات الإنتاج دون أي دعم يذكر، وحتى القرض دون فوائد، والذي كان يحصل عليه المزارع لسنوات خلت لخدمة شجرة الزيتون لم يمنح، كما أن صندوق الكوارث الطبيعية لم يشمل محصول الزيتون، وحتى الوحدات الإرشادية التي وزعت المصائد لمكافحة ذبابة ثمرة الزيتون، لم تتابع عملها مع المزارعين، حسب تعبيرهم، عقبات كثيرة واجهت المزارعين هذا الموسم الذي قدر إنتاجه بـ 30178 طناً من الزيتون فقط، أين الجهات المعنية أمام هذا الواقع؟! وما أهم المقترحات لإعادة إحياء شجرة الزيتون بعد الأمراض والخسائر التي منيت بها؟! وماذا قدم اتحاد الفلاحين أمام رئيس مجلس الوزراء خلال زيارته إلى طرطوس ولقائه الأسرة الزراعية؟!.
65% صنف الدعيبلي
يبلغ عدد أشجار الزيتون الإجمالية 11010022، والمثمر منها 10416722 شجرة، تنتشر زراعتها في مناطق المحافظة كافة، وتشكّل المساحة المزروعة بالزيتون ما نسبته 84% من إجمالي المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة بالمحافظة، والصنف السائد هو صنف الدعيبلي الذي يشكّل 65% من إجمالي الأصناف المزروعة، إضافة إلى أصناف أخرى كالصفراوي، والمنيقري، والخضراوي، وذلك حسب زراعة طرطوس.
منافع عديدة
صالح عبود، رئيس المكتب المالي والإداري في الرابطة الفلاحية بصافيتا، وهو مزارع ولديه 40 دونماً من شجر الزيتون، لفت إلى أهمية شجرة الزيتون كمحصول استراتيجي متعدد المنافع، من حيث المساحة التي يغطيها وأهميته للبيئة، ومن حيث الإنتاج من ثمار وزيت كمواد غذائية ورئيسية للمواطنين، وكأهمية في عملية التصنيع، إضافة إلى أن “العرجوم” يؤمن مادة للتدفئة.
انتشار ذبابة الثمار
وفي خطوة استباقية، وللمحافظة على قسم من الثمار، بادر الفلاحون برش مبيدات للذبابة، لكنها لم تحم العفونة إن لم يكن الرش بالتتالي، وبشكل عام فإن الشجر يحتاج إلى ثلاث رشات في الموسم، وبعض الفلاحين كثفوا رشاتهم حتى وصلت إلى خمس رشات للمحافظة قدر الإمكان على الثمار التي أصابها أيضاً مرض فطر عين الطاووس الذي أدى إلى تساقط الأوراق.
وعرض عبود صعوبات الفلاحين التي تتمثّل بعزوف الكثيرين عن الرش بسبب ارتفاع ثمن الأدوية والمبيدات، وصعوبة الوصول إلى الأراضي، إضافة إلى ضعف الوعي لدى بعض المزارعين.
تفعيل عمل الإرشاد
بدورها أكدت نسرين علي، رئيسة الرابطة الفلاحية بصافيتا، على ضرورة تفعيل عمل الوحدات الإرشادية ومتابعتها الدائمة لحقول المزارعين بوجودهم وغيابهم، وذلك بوجود عدد لابأس به من الفنيين الذين يمكنهم العمل والمتابعة الدقيقة المستمرة للحقول، ففي هذا الموسم من الزيتون تم منح المزارعين مصائد، ولكن لم تتم متابعة عمل المزارعين بها، فكما يوجد مزارعون يدركون تماماً خدمة بستانهم، يوجد آخرون يجهلون!.
واقترحت علي، وضمن إطار الحلول الممكنة، التعويض على أضرار الزيتون، ولاسيما بوجود مزارعين ينتظرون الموسم ليعتاشوا من خلاله، لافتة إلى أن الزيت المستخرج لا يصلح لصناعة الصابون، وإن صنع لا يغطي تكاليف الإنتاج، ومن جنى إنتاجه تساوت أجرة الجني مع سعر الزيت، لاسيما أن كيلوغرام الزيت يباع بـ 800 ليرة تقريباً.
موروث قديم وشجرة رئيسية
وبرأي نسيم نعمان، رئيس الرابطة الفلاحية بطرطوس، فإن شجرة الزيتون كانت مهملة لخمس عشرة سنة خلت، وبالتالي فهي غير اقتصادية وغير مجدية، وذلك لضعف مردوديتها، وضعف الاهتمام بها، رغم أنها تشكّل موروثاً قديماً، وشجرة رئيسية، لاسيما في الريف الجبلي للمحافظة، حيث إن أغلب نوعيات الشجر قديمة، و85% من القاطنين في الريف الساحلي من الشريحة الفقيرة، يمتلكون بساتين من الزيتون، ويعتمدون عليها بشكل رئيسي كمورد للرزق، لكنهم في الوقت نفسه غير قادرين على إيلاء الشجرة الاهتمام اللازم، لأنه حتى عام 2000 كان المزارع يحصل على قرض من المصرف الزراعي دون فائدة لاستصلاح أرضه، وزراعة شجرة الزيتون، والاهتمام بها، ولكن بعد ذلك التاريخ لم يحصل على شيء!.
ما قدمه الاتحاد
أبدى اتحاد فلاحي طرطوس صعوبات ومقترحات بخصوص واقع الزيتون في المحافظة خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى طرطوس، تم عرضها، ومنها دراسة واقع أصناف الزيتون، وتطعيم الأصناف ذات القدرة الإنتاجية الضعيفة من خلال إجراء دراسة لكل منطقة على حدة، وتطبيق شروط العصر في المعاصر، وعدم تكديس الإنتاج، وإلزام المعاصر والفلاحين باستخدام الصناديق البلاستيكية بدلاً من أكياس الخيش والنايلون، وتشجيع إقامة معامل لكبس العرجوم واستخلاص الزيت منه، وإحداث مؤسسة خاصة لاستلام الزيت على غرار مؤسسة التبغ لاستلام الفائض من الإنتاج، كذلك إقامة حقول نموذجية في مناطق زراعة الزيتون، وتحت إشراف الوحدات الإرشادية مباشرة، وتقديم كافة الخدمات الزراعية، ويفضل أن تكون بجانب الطرقات العامة، وتفعيل دور الإعلام بخصوص الرش، والمكافحة، والقطاف، وطرق التقليم.
مطالب محقة
المحصول يحتاج إلى دعم من الحكومة، وجعله محصولاً استراتيجياً، كما بيّن الاتحاد، لأن الزيت السوري بنوعية جيدة يضاهي الزيت العالمي، ولذلك فهو يحتاج إلى متابعة، بدءاً من الخدمات إلى التصدير، وإيجاد أسواق خارجية، كذلك تأمين الطرق الزراعية اللازمة، وصيانتها بشكل دوري لما لها من أهمية في خدمة شجرة الزيتون كون أغلب مناطق زراعتها جبلية ووعرة، وتخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى تأمين معدات وآليات الرش في الوحدات الإرشادية بشكل مجاني ودائم للفلاحين، وأن يكون الدعم المقدم لشجرة الزيتون من خلال دعم كل كيس سماد بمبلغ 2000 ليرة، وتشميل محصول الزيتون بنظام صندوق الكوارث الطبيعية، وتشكيل لجان لتقدير الأضرار الكبيرة والهائلة التي لحقت بشجرة الزيتون هذا الموسم، وإنشاء معمل لتكرير وتعليب الزيتون في المحافظة.
عام المعاومة
ومن جهته، بيّن المهندس محمد عبد اللطيف، رئيس دائرة الزيتون في زراعة طرطوس، بأن خطة إنتاج الغراس في مركز البيت الزجاجي التابع للمديرية هي 85 ألف غرسة، المنفذ منها والجاهز للبيع 70 ألف غرسة، وتصل كمية الإنتاج المتوقعة إلى /30178/ طناً، وهذا العام هو عام المعاومة بعد سنة حمل غزير العام الماضي، حيث كانت تقديرات الإنتاج العام الماضي 163500 طن، مؤكداً على عدم وجود تراجع في زراعة الزيتون، فالمساحة حالياً هي /7540305/ هكتارات، في حين كانت المساحة المزروعة عام 2000 /61211/ هكتاراً، وكان عدد الأشجار 870 ألف شجرة. وأشار عبد اللطيف إلى أن شجرة الزيتون تعرّضت هذا العام لظروف استثنائية لم تكن متوقعة، من شتاء دافئ، وصيف معتدل، حيث كانت درجات الحرارة بين 29-31 درجة مئوية، وهذه الظروف مواتية لانتشار ذبابة ثمار الزيتون، وزاد من عدد الأجيال، وقصر فترة الجيل، انخفاض درجة الحرارة عن الحد القاتل للأطوار الحية داخل الثمار، وهذا ما زاد من نسبة التساقط أكثر من المتوقع بخلاف العام الماضي، وقامت زراعة طرطوس، بناء على معطيات أجهزة التنبؤ، وظروف الطقس، بتوجيه المزارعين عن طريق الوحدات الإرشادية لتطبيق إجراءات الإدارة المتكاملة لأغلب الأمراض والآفات.
إجراءات الزراعة
أهم ما قامت به زراعة طرطوس، حسب رئيس دائرة الزيتون، هو مراقبة ذبابة ثمار الزيتون من المرحلة التي وصلت بها الثمار لقطر 8-9 مم، وتم البدء بتشريح الثمار من هذا القطر، وتم توجيه المزارعين بتعليق المصائد الفرمونية، ومن خلال وحداتنا الإرشادية تم توزيع المحلول الغذائي الخاص بالمصائد مجاناً للمزارعين، وتقديم الاستشارة الفنية من خلال جولاتنا الميدانية، ونصح المزارعين باستخدام الطعوم السامة على أكوام من القش بين كل أربع أشجار بعيداً على الأشجار، وكانت مجدية للمزارعين الذين اتبعوا التعليمات الفنية.
دعم ومتابعة
ولأن شجرة الزيتون المحصول الرئيسي في المحافظة، وتنتظره الكثير من الأسر لتعتاش من خلاله، لابد من تحسين ظروف المزارعين للاستمرار في الإنتاج، وذلك بدعمهم بكافة الوسائل والسبل من قبل الجهات المعنية، ومتابعة عملهم من قبل الوحدات الإرشادية المنتشرة على امتداد ريف المحافظة لحماية شجرة الزيتون، وديمومة إنتاجها، وبالتالي لإنتاج أكبر، ومردودية أعلى، ولرضى عام لأهم منتج ومادة غذائية أساسية يومية على موائدنا جميعاً.
دارين حسن