فرنسا إلى “حالة الطوارئ” لقمع “السترات الصفراء”
في محاولة لنقل المواجهة مع السترات الصفراء، وجرّها من احتجاجات مطلبية ورافضة لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته، إلى مواجهات مع خارجين عن القانون ومثيري شغب، أعلنت الحكومة الفرنسية أن جميع الخيارات مطروحة، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ في البلاد، للتعامل مع الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة باريس، معلنة أنه تمّ التعرف على هوية ثلاثة آلاف شخص ممن وصفتهم بمثيري الشغب على أن تتم إحالتهم إلى التحقيق.
إعلان بلاشك يحمل في طياته الهلع والتوجس من الحركات المطلبية للسترات الصفراء ونعتها بأعمال شغب وفوضى هو الطريق الأقصر والأمضى برأي الحكومة للقضاء عليها.. ولكن ماذا عن السترات الصفراء هل ستقبل بهذا الاتهام بعد كل التأييد الذي حصلت عليه من الشارع الفرنسي، إضافة لظهور حركات مشابهة في بلجيكا وهولندا ورفعها لشعارات مطلبية بعيدة عن العنف والفوضى.
متابعون لسير الأحداث في فرنسا أكدوا أن السلطات الفرنسية سعت عبر وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها، لبث أفلام دعائية تحرّض على السترات الصفراء، وتصفهم بأنهم مخرّبون، وأنهم مرتبطون باليمين المتطرّف، بهدف زرع الخوف في المواطن الفرنسي، الذي يريد الالتحاق بهذه التحركات، إضافة لإعطاء تعليمات واضحة بعدم إفساح ساعات طويلة للحديث عن احتجاجاتهم، فقد خرجت مظاهرات في كبرى المدن الفرنسية، وليس في العاصمة باريس فقط دون أن يسلّط عليها الضوء نهائياً، كل ذلك بهدف التقليل من حجم تلك الاحتجاجات وحصرها في منطقة واحدة.
وفي تطوّر مهم أعلن مجلس الشيوخ الفرنسي أمس أنه سيستمع الثلاثاء أمام لجنة إلى الوزيرين المكلفين الأمن “للحصول على إيضاحات عن الوسائل التي نشرها وزير الداخلية” السبت في مواجهة الفوضى، فيما أعربت الأحزاب والكتل البرلمانية الفرنسية الكبرى عن دعمها للاحتجاجات وضرورة أن تقترب الحكومة من الشعب الفرنسي، وتستجيب لمطالبه، حيث دعا زعيم الجمهوريين لوران فوكييه مجدداً إلى استفتاء حول السياسة البيئية والضريبية لإيمانويل ماكرون، فيما طلبت مارين لوبن لقاء ماكرون مع زعماء الأحزاب السياسية المعارضة.
كما طلب زعيم الحزب الاشتراكي إلى تشكيل لجان حول القدرة الشرائية، فيما طلب السياسي بونوا أمون إطلاق حوار وطني مع “السترات الصفراء” والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الانتقال البيئية. أما جان لوك ميلانشون زعيم حركة “فرنسا المتمردة”، فدعا إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة مشيداً بـ “تمرد المواطنين الذي يثير الخوف لدى ماكرون والأثرياء”.
وسط هذه المطالب لم تغيّر الحكومة حتى الآن موقفها. فعندما كانت أولى المواجهات تدور على جادة الشانزيليزيه قال المتحدّث باسم الحكومة بنجامان غريفو: إن لا تغيير في المواقف، مؤكداً أن ماكرون بحث مع رئيس الوزراء إدوار فيليب ووزير الداخلية كريستوف كاستانير، الإجراءات الواجب اتخاذها لاحتواء الأزمة، بما في ذلك إمكانية إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
وكان وزير الداخلية، أعرب عن استعداده لدراسة إمكانية فرض حالة الطوارئ في البلاد من أجل تعزيز الأمن، تلبية لطلب عدد من النقابات والشرطة، وأوضح: “ندرس جميع الخطوات التي ستتيح لنا فرض مزيد من الإجراءات لضمان الأمن.. كل ما سيسمح بتعزيز ضمان الأمن.. لا محرّمات لدي، وأنا مستعد للنظر في كل شيء”، ووصف المتورطين في أعمال العنف التي رافقت احتجاجات أمس بأنهم “من مثيري الانقسام والشغب”، مؤكداً تورط نحو ثلاثة آلاف شخص في المخالفات.
وآخر مرة فرضت الحكومة الفرنسية فيها حالة الطوارئ في البلاد كانت عقب سلسلة الهجمات الإرهابية الدامية التي هزت العاصمة باريس في 13 نوفمبر 2015.
وكان نحو مئة شخص قد أصيبوا بينهم 14 من عناصر الشرطة الفرنسية خلال الصدامات مع حركة السترات الصفر، كما اعتُقل 283 متظاهراً.
وتأتي هذه الاحتجاجات في فرنسا التي بدأها أصحاب السترات الصفر رفضاً لقرارات رفع الضرائب على الوقود ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد.
وشهدت مدن فرنسية أخرى احتجاجات للسترات الصفر، بينها ليل وبوردو ومرسيليا.
بالأمس، طالب المحتجون بالعاصمة الفرنسية باريس الرئيس ماكرون بالرحيل، ورفعوا شعارات مناهضة له, وذلك فور وصوله لتفقّد قوات الأمن، غداة مظاهرات “السترات الصفراء” التي رافقتها أعمال عنف وشغب يوم السبت.
وبثت وسائل إعلام فرنسية بينها قناة “لاشين إنفو” مقاطع فيديو، حيث المحتجون يهتفون بعبارة “ارحل.. ارحل” غير بعيد عن الرئيس الفرنسي الذي وصل برفقة عدد من المسؤولين إلى منطقة “كليبر” التي شهدت أعمال شغب وعنف.
كما رفع المحتجون أيضاً شعارات تطالب ماكرون بالاستقالة من منصبه، حيث زار الأخير التجار المتضررين من مظاهرات “السترات الصفراء”.
من جانبه، دعت زعيمة حزب “التجمع الوطني” الفرنسي المعارض، مارين لوبان، إلى حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وقالت، في سلسلة تغريدات نشرتها على حسابها الرسمي في “تويتر”: “من الضروري تطبيق نظام الانتخابات البرلمانية القائمة على التمثيل النسبي، وحل الجمعية الوطنية لإجراء انتخابات برلمانية”، وأضافت: إن “الفرنسيين يريدون عدلاً ضريبياً”، لكنهم يرون بدلاً عن ذلك “ارتفاعاً في حجم الضرائب التي يدفعونها في الوقت الذي يحصل فيه ميسورو الحال على الهدايا”.