“الربط بالمجتمع” شعار نظري في ظل ضعف الإنفاق المادي الأبحاث العلمية تنجز لأهداف فردية ومؤتمر مرتقب للاستفادة من التجارب الروسية
دمشق – فداء شاهين
لعل تراجع البحث العلمي وعدم استثمار المفيد من مخرجاته حالة تصيب الدول العربية، التي لم نسمع عن أبحاث نوعية توصلت إليها واستثمرتها في خدمة وحل المشكلات المجتمعية، ليظهر التفاوت الهائل بين الدول المتقدمة والأخرى النامية، وعلى الرغم من تأسيس الهيئة العليا للبحث العلمي لتحدث تطوراً نوعياً وتلبي متطلبات التنمية، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يطرأ أي تغيير يذكر على تطور العملية البحثية ليتساءل البعض أين ثمار عمل السنوات السابقة، ولاسيما قبل الأزمة؟ في وقت يغلب على الأبحاث الجامعية الطابع الأكاديمي النظري لا التطبيقي.
ومع أن وزارة التعليم العالي ركزت دائماً على ضرورة ربط الجامعة بالمجتمع وأن يكون للبحث العلمي خدمة وطنية، إلا أن هناك تحديات وصعوبات تواجه العمل بحسب مدير البحث العلمي في الوزارة الدكتور شادي العظمة وتتعلق بالدعم وانعدام العمل المشترك، بمعنى يجب أن يكون هناك فرق عمل بحثية ما يؤدي إلى تحفيز الإنتاج والتشبيك الخارجي، علماً أن طبيعة الأبحاث فيما إذا كانت تحاكي الواقع أم لا تعود للموضوع الأخلاقي. في حين تبين الهيئة العليا للبحث العلمي في تصريحاتها مؤخراً أنها تركز في هذه المرحلة على المشروعات التي تخص بناء البشر قبل الحجر، إذ ينبغي أن تهدف البحوث في هذه المرحلة لحل مشكلات القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تخص المجتمع، إلا أنه و حتى الآن لا يوجد لديها قانون لاستثمار وتسويق مخرجات البحث العلمي لضمان حقوق الباحثين والجهات الداعمة والمستفيدة، إضافة إلى أن مذكرة التفاهم المشتركة مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم توقع، والتي كان مضمونها حول الاختراع والمخترعين وبراءة الاختراع بحيث يقع على عاتق الهيئة التقييم العلمي وما يتكلف ذلك من أموال، وتبقى الأمور الأخرى الإدارية واللوجستية والمالية للوزارة.
فلترة الأبحاث
وعلى الرغم من وجود المعوقات وصف مدير البحث العلمي والدراسات العليا في جامعة دمشق الدكتور هشام الرز البحث العلمي في الجامعة بالجيد، في ظل وضع أولويات للبحث العلمي وهي دراسة ربط الأنشطة البحثية في جامعة دمشق مع احتياجات المجتمع وتطلعاته وبخاصة في إعادة الإعمار، حيث إن تمويل الأبحاث العلمية يتم تحديده من قبل لجان خاصة (الطبية،الهندسية، العلوم الأساسية والزراعية، التربية والعلوم الإنسانية) تجتمع بشكل دوري كل 20 يوما لتحدد ميزانية كل بحث علمي من أبحاث أعضاء الهيئة التدريسية وأبحاث الماجستير والدكتوراه ويتم تمويل أبحاث المعيدين بشكل كامل، علماً أن الهيئة العليا للبحث العلمي تقوم بفلترة الأبحاث المقدمة من خلال لجان تخصصية وتعمل على تمويل الأبحاث المختارة.
ولم يخف الرز عن “البعث” أن الأبحاث التي يتم تنفيذها بجامعة دمشق يغلب عليها طابع العمل الفردي وقليل من الأبحاث تتم بشكل فريق عمل كما أن أغلب الأبحاث تنفذ مع طلاب الدراسات العليا وإن مخابر الكليات جيدة ومهيأة للتدريس والبحث العلمي وفي كل عام يتم تأمين متطلبات كل مخبر من الأجهزة والمواد اللازمة لعمل هذه المخابر مع وجود رقابة على الإشراف لأبحاث الدراسات العليا وذلك بإجراء “سيمينار” دوري كل 4 أشهر لشرح ما تم إنجازه، علماً أنه يمكن اعتبار كل أستاذ علمي باحث ومنهم من تفرغ للبحث العلمي والقسم الأكثر منهم تفرغ للتدريس والبحث العلمي.
حلقة مفقودة
وتكمن معوقات البحث العلمي كما أوضحها الرز بصعوبة إجراء بعض الأبحاث في الظروف الحالية وخاصة الأبحاث الزراعية لتعرض عدد كبير من مراكز البحث العلمي للتدمير الممنهج من قبل الإرهابيين، ووجود حلقة مفقودة بين احتياجات البلد من البحث العلمي الضرورية التي تحتاجها الوزارات المختلفة كوزارتي الزراعة أو الصناعة وعدم وجود الرابط بينها، إضافة إلى عدم وجود استثمار حقيقي حتى الآن لمخرجات الأنشطة البحثية والتي يغلب عليها الطابع الأكاديمي والهدف منها الحصول على المؤهل العلمي (ماجستير ودكتوراه) دون حل مشكلة هامة، وعدم الاستفادة من أبحاث الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه بشكل فعال، وكذلك خروج بعض المخابر الموجودة في بعض الكليات عن العمل ما يسبب إعاقة إنجاز الأبحاث العلمية.
وأشار الرز إلى بعض مقترحات لتطوير البحث العلمي تتمثل بضرورة التنسيق بين المؤسسات العلمية المختلفة والتابعة للوزارات المختلفة وإرسال نتائج الأبحاث إلى الجهات التطبيقية المختلفة للاستفادة منها وعدم تركها بالمكتبات، واختيار مواضيع البحوث العلمية من واقع المشاكل التي تعاني منها الوزارات المختلفة بحيث تقوم الجامعات بمعالجة هذه المشاكل، والتنسيق الجيد بين الجهات العلمية والبحثية المختلفة لعدم تكرار المواضيع البحثية بأكثر من مكان بهدف الحد من الهدر في الأموال المخصصة للأبحاث العلمية، إضافة إلى ربط الجامعات والبحث العلمي بالمجتمع والطلب من الوزارات المعنية بتقديم مقترحات الأبحاث لتشكيل فرق بحثية مشتركة، مع العمل على فلترة الأبحاث المقترحة واختيار ما هو مناسب وهام للبلاد والذي يفيد التطوير والبناء وزيادة الاقتصاد، علماً أنه يجب أن يكون لكل كلية وقسم خطة بحثية تهتم بوضع أولويات البحث العلمي في مرحلة إعادة الأعمار أي وضع استراتيجية قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد مع تحديث مكتبات الكليات وعدم قبول بحوث منفردة للنشر، و إجراء التبادل العلمي مع بعض الدول المتقدمة، إضافة إلى زيادة نفقات البحث العلمي نتيجة ارتفاع أسعار المواد اللازمة للأبحاث العلمية.
كفاءة الباحثين
وفي الوقت الذي أرجع رئيس هيئة العلماء والخبراء العرب الدكتور علي إبراهيم لـ”البعث ” تأخر البحث العلمي في الوطن العربي إلى الأزمات التي تعاني منها الأمة العربية ونقص التمويل والميزانيات البسيطة التي تخصص للبحث العلمي وبالمقابل لدينا باحثين على درجة عالية من الأهمية والذكاء، رأى الدكتور بشير سماحة من اتحاد رؤساء الجامعات العربية الروسية أن تراجع البحث العلمي في الوطن العربي يعود إلى عدم كفاءة الباحثين كما أن كثير من البحوث والدراسات العلمية لا ترتبط بالاحتياجات والمتطلبات الفعلية للدولة والجامعة، ولا يلتزم الباحثون بخطة مدروسة عند اختيار مواضيع الدراسات والبحوث، إنما يختارها البعض بطريقة عشوائية ما أدى إلى ظهور دراسات مكررة، علماً أن الأبحاث تجرى بهدف الحصول على أهداف شخصية مثلاً الحصول على درجة علمية للترقية في المجال الوظيفي.
واعتبر سماحة في تصريح لـ”البعث” أن الوطن العربي من ناحية البحث العلمي أدنى الجامعات في العالم، فهناك بعض الدول العربية تملك الأموال، ولكن هناك تدني في البحث العلمي لديها، في حين يوجد دول عربية ومنها سورية تعتبر من الدول عالية الجودة في التعليم بالجامعات والمدارس، إلا أنه يوجد ضعف في الإنفاق المادي على البحث العلمي، حيث لا تزال المؤسسات الحكومية الممول الرئيس للبحث العلمي في أغلب الدول العربية رغم أن التجارب الدولية أكدت على أهمية دور الحكومة في دعم وتمويل البحوث العلمية ذات الأولوية الاستراتيجية للدولة فقط وأنه يجب على الشركات والمؤسسات الصناعية أن تكون شريكاً فاعلاً للمؤسسات الحكومية وتأخذ على عاتقها مهمة دعم وتمويل البحوث العلمية لاسيما التطبيقية منها كونها المستفيد الأول من نتائج هذه البحوث العلمية بطرق وأشكال متعددة مثل رفع معدلات الإنتاج وتحسين نوعيته وإدخال الأساليب والتقنيات الحديثة في النشاطات الإنتاجية والإدارية لها .
التشبيك
وأشار سماحة إلى سعي الاتحاد للتبادل الثقافي والطلابي والبحث العلمي بين الوطن العربي وروسيا حيث سيتم قريباً عقد المؤتمر الثاني للاتحاد في جامعة موسكو الحكومية، حيث سيتم دعوة الجامعات العربية بما فيها الجامعات السورية وعلى رأسها جامعة دمشق للتعاون في المجال الثقافي العلمي بين روسيا والوطن العربي، كون روسيا لها تجربة وطرق متقدمة في البحث العلمي والهدف تنمية ومساعدة الجامعات العربية من خلال الجامعات الروسية لما لها من تاريخ في التطور العلمي والاقتصادي والطبي والهندسي.
ودعا الدكتور طلال أمين من قسم الحراج والبيئة في كلية الزراعة بجامعة تشرين إلى ضرورة التشبيك والعمل ضمن الفريق الواحد لتعود النتائج على البلد وليس للأسماء، والاستفادة من الأبحاث الموجودة في الكلية في مرحلة ترميم الغطاء الحراجي الذي تعرض للحرائق واختصار الزمن. في هذه الأثناء بين عدد من الباحثين لـ”البعث” أن البحث العلمي يحتاج إلى التعاون التنسيق الدائم بين المؤسسات البحثية وحتى مع المراكز البحثية في الدول العربية.