تحقيقاتصحيفة البعث

بانتظار إعانات ترفع الخطر القائم ســهوة الخضــر.. واقــع بيئــي صعــب وتهديــد لسلامــة مصــادر مياه الشــرب!

يقول الخبر: إن بلدية سهوة الخضر، بالتعاون مع الأهالي، قامت بتنظيف مجرى الوادي الذي يخترق وسط القرية، حالة صحية وسليمة من حيث المبدأ، ولكن عند البحث عن جوهر الموضوع ولبه نجد أن هناك الكثير من الخفايا التي كانت مطمورة وتم الكشف عنها، فالوادي متعدد الاستعمالات والأغراض، فهو مكب للنفايات، ومصب للصرف الصحي، إضافة إلى مهمته الأساسية كمجرى لمياه الأمطار، ومغذ رئيسي لسد السهوة الذي يعتبر مصدر مياه الشرب لعدة قرى محيطة، وهنا التساؤل المهم: ألا تحتاج هذه الظاهرة لاستنفار كافة الجهات المعنية من صرف صحي، وبيئة، وموارد مائية لمعالجة الواقع؟ هل من المقبول أن يكون مجرى الوادي مركزاً لتجميع القمامة والصرف الصحي، ومصدراً لمياه الشرب؟ وما هو المطلوب للمعالجة؟.
معاناة بيئية
نحو 20 كيلومتراً تفصل الزائر من السويداء إلى قرية سهوة الخضر، كيلومترات كافية للاستمتاع بطريق متصاعدة تخترق عدة قرى، ومنها الرحى، والكفر، وميماس، أما طبيعياً فالجبال مكسوة بالأشجار توحي للزائر أنه في منتجع طبيعي للترويح عن النفس، والهروب من زحمة المدينة وتلوثها إلى نقاء الريف الجبلي وصفائه، وغيرها الكثير من الأفكار المنعشة للفكر والنفس، والتي غالباً ما تصدم بواقع يبعد كل البعد عن هذا الصفاء والنقاء، ويقودك نحو التفكير بمدى التقصير الحكومي بهذا الريف، فعند أول محطة يستقبلك وادي سهوة الخضر، وما يحمله من رسائل عنوانها الأساسي الإهمال، وعدم الجدية في التعاطي مع مشاكل الريف.
فور وصول “البعث” إلى القرية، اجتمع عشرات المواطنين ليروا قصة معاناتهم.. يقول ماجد جمول: إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها سكان القرية هي الصرف الصحي، حيث تم تنفيذ جزء منه، وبقي الجزء الأساسي وهو وسط القرية غير مخدم، وبالتالي كل الجور الفنية تصب تمديداتها في الوادي الذي يصب في سد السهوة، وهذا ينعكس على الواقع البيئي في القرية، وعلى واقع مياه الشرب فيها.
ويوافقه الرأي محمد كيوان الذي تحدث عن الروائح، والحشرات المنبعثة من الوادي، وبالتالي الحل يكمن، برأي كيوان، في مد خط الصرف الصحي، وتسقيف الوادي.

مشكلات عديدة
مشاكل القرية وهموم سكانها لم تنسهم عاداتهم المتجذرة في نفوسهم كتجذر تلك المشاكل في حياتهم اليومية، ففنجان القهوة الذي كان باستقبالنا يحمل الكثير من الرسائل للزائرين، وإن كانت “شفة” الفنجان تروي قصصاً عدة عن مأساة عيش ممزوجة بكرم ضيافة، وبساطة عيش، وعزة نفوس تسكن المكان، يقطع عماد تزاحم الأفكار هذه، ويختصر الحل “بتسقيف الوادي”.
مشكلة الوادي ليست المشكلة الوحيدة في القرية، فهناك مشكلة نقص المياه، وهي معروفة للقاصي والداني، فقرية السهوة من القرى الأكثر عطشاً في المحافظة، وإن كانت المشكلة ليست متفاقمة كما كانت سابقاً، إلا أن نصيب الأسرة من المياه لا يتجاوز حالياً 200 لتر يومياً، طبعاً يشير السكان هنا بوضوح إلى عدم ثقتهم بسلامة المياه، خاصة تلك التي توزع لهم بالصهاريج.
أما واقع الطرقات فيدل بأنها مازالت بقميص الولادة، ورغم اتساع المخطط التنظيمي، والكثافة السكانية، إلا أن تلك الطرقات أشبه بفتاة لا يكسو عورتها سوى القليل من القماش، كبرت ومازالت بالثوب ذاته، ولسان حالها يقول: “لله يا مسؤولين”!.

عمل شعبي
رئيس البلدية الجديد فيصل مذكور يرغب بحل هذه المشاكل دفعة واحدة، ولكننا لم نجد في يديه أي عصا سحرية للحل، ولكن يوجد في عينيه أمل بمستقبل أفضل، ومسؤولين أكثر جدية، وتعاون في الحل، فيد البلدية قصيرة، ويجب أن تكون عين المسؤولين بصيرة كما يقول المثل، وكما يريد الواقع المرير الذي يعيشه السكان، وريثما يأتي اليوم الذي تبصر الإعانات النور، انطلقت المبادرات الشعبية لحل جزء من المشكلة، والبداية كانت من حل مشكلة النظافة، والاستناد في ذلك إلى العمل الشعبي، تجربة تؤسس لأهمية تضافر الجهود كاملة، ولكن يبقى المهم ملاقاة حماس السكان، وتعاونهم بتأمين بنية منعشة لهذا التعاون.
وبالحديث عن الحلول، يقول رئيس البلدية: بدأ مشروع الصرف الصحي في البلدة عام 2006، تم تنفيذ نحو 6 كيلومترات منه، والمهم هنا أن خط المصب جاهز، وتبقى المسافة نفسها لم تنفذ، وأخطرها مجرى الوادي بطول 1 كم الذي يشكّل بؤرة للأمراض، والأوساخ، ومياه الصرف الصحي، حيث يوجد في منطقة منخفضة أسفل سلسلة منحدرات، وبالتالي كل تسريبات الجور الفنية تصب فيه، وهو بدوره يصب في السد.
ويضيف مذكور بأن البلدية، بالتعاون مع الأهالي، قامت بتنظيف مجرى الوادي، ولكن هذا الحل إسعافي ومؤقت، فهناك ضرورة ملحة لتنفيذ خط صرف صحي على طول الوادي، وتشييد سقف له لحمايته من التلوث كونه يشكّل مغذياً رئيسياً لسد السهوة.
وحول مشكلة النظافة يقول مذكور: هناك مبادرات شعبية يقوم بها أهالي القرية بتنظيف الشوارع بالعمل الشعبي، حيث تم في المبادرة الأخيرة نقل نحو 18 جرار قمامة، لكنها حلول إسعافية، فلابد من تأمين مكب قمامة مناسب وقريب، وكذلك سيارة ضاغطة، فالجرار الحالي لا ينفذ سوى نقلة واحدة يومياً بسبب بعد المكب الحالي، وارتفاع تكاليف النقل بشكل يكبد البلدية نفقات كبيرة ومرهقة.
وحول صيانة الطرقات يقول رئيس البلدية: إن القرية معقدة التضاريس تجعل الطرقات عرضة دائمة للتشوهات، وهذا يتطلب إجراء صيانة دورية لها، ولا توجد ميزانيات كافية لذلك.

نريد إعانات
طبعاً مشكلة البلدية مركبة ومتراكمة، وحالها هذا كحال معظم بلديات المحافظة، وهنا يقودنا الحديث عن قلة عمال النظافة، والعزوف عن هذه المهنة، والسبب الرئيسي، حسب رئيس اللجنة النقابية في بلدية سهوة الخضر مفيد ضو، هو قلة الرواتب والأجور، فعمال البلدية موسميون يتقاضون 21 ألف ليرة شهرياً، وهذا رقم قليل جداً مقارنة مع طبيعة عملهم وظروفه، وبالتالي هناك إحجام عن العمل، والحل بتأمين عقود سنوية، وتعويضات مناسبة.
القرية التي يصل عدد سكانها إلى 6613 نسمة، وترتفع عن سطح البحر 1550 متراً، يعمل معظم سكانها بالزراعة، أو الاغتراب، بيئة عيش معقدة وصعبة، وظروف حياتية قاسية، تعوّل وزارة الإدارة المحلية عليهم وفق قانونها بإقامة مشاريع ذاتية تساهم بتخديم القرية، ولكن ماذا يقول الواقع؟.
يشير هنا ضو إلى أنه في حال تم تحقيق كامل الجباية فإنها لا تزيد عن 10 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي لصيانة بضعة أمتار، أو تنفيذ أكثر من 200 متر صرف صحي، علماً أن الواقع الصعب يجعل عملية الجباية معقدة، وهذا يتطلب الإسراع بتقديم إعانات مالية للبلدية كي تستطيع إنجاز مهامها، واستنفار الدوائر المعنية بتنفيذ خطط تساهم برفع الضرر البيئي والصحي القائم.

المجرى السليم
طبعاً الأزمة والضائقة المادية التي تعلّق عليها معظم الجهات حالات تقصيرها في معالجة المشاكل الحالية والقادمة إلينا من تاريخ ما قبل الأزمة، والمرحلة من عهد إدارات عدة تتالت، نجد مقابلها ملايين الليرات تصرفها تلك الجهات في تنفيذ مشاريع وخطط نجدها أقل أهمية في ظل هذا الواقع البيئي السيئ الذي يشكّله مجرى الوادي، وهنا لابد من وضع خطة متكاملة بين الموارد المائية والصرف الصحي لإنجاز مشروع متكامل لرفع الضرر عن السد، والخطر البيئي الذي يسببه المجرى على القرية، وإذا كانت نتائج تحليل المياه التي يتم قطفها من السد تشير إلى صحة المياه وصلاحيتها، إلا أنها لا تنفي فرضية أن تلك المياه ملوثة، وأن صلاحيتها للشرب هي بالحدود الدنيا؟!.
رفعت الديك