منظمة اليونسكو تطلق موقعاً إلكترونياً لنشر المعلومات حول المحرقة المزعومة
د.مازن المغربي
تتسارع الجهود التي تبذلها الحركة الصهيونية المدعومة من الإمبريالية العالمية بهدف إنجاز صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية. وتتصف هذه الجهود بالاتساق والتنسيق بين مسارات مختلفة. فعلى الصعيد الدبلوماسي تمكنت حكومة “إسرائيل” من تحقيق خرق كبير بحيث صار لها سفارات، ومكاتب تمثيل في العديد من البلدان العربية، بل إن علاقة “إسرائيل” مع المملكة السعودية تسير نحو إقامة شراكة استراتيجية بحجة مواجهة التهديدات الإيرانية. بالمقابل تتصف ردات الطرف العربي، حتى الآن، بالمحدودية والتبعثر والافتقار إلى المبادرات الخلاقة. فضمن سياق التحضير لصفقة القرن شهدت الأيام الماضية الإعلان في مقر اليونسكو الرئيسي في مدينة باريس عن إطلاق موقع إلكتروني لنشر معلومات عن المحرقة المزعومة التي طالت يهود أوروبا في ظل الحكم النازي. وتم إطلاق الموقع الإلكتروني قبل بضعة أيام بالتنسيق بين منظمة اليونيسكو والمؤتمر اليهودي العالمي، وشارك في الاجتماع المخصص لهذا الحدث كل من المدير العام لليونيسكو أودري آزولاي، ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لاودر بحضور مئة وخمسين من رؤساء الجاليات اليهودية في العالم، كما تم خلال الاجتماع توقيع تعهد بالحفاظ على ذكرى أحداث الهولوكوست، بحيث يخدم هذا الموقع عملية الترويج لوقائع السردية الشائعة حول معاناة يهود أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. وتم في المرحلة الحالية إطلاق الموقع باللغة الإنكليزية لكن يتضمن عملية تحويل المشروع إلى موقع متعدد اللغات للغتين العربية والصينية.
خطورة الخطوة
هنا لا بد من وقفة لتقويم مدى خطورة هذه الخطوة التي تعني تبني منظمة تابعة لهيئة الأمم المتحدة موقفاً منحازاً لا يعتمد على حقائق تاريخية مثبتة، ويتناقض مع كل الفحوصات والدراسات العلمية التي تناولت موضوع يهود أوروبا إبان الحكم النازي وغطت مختلف الجوانب الديموغرافية، والسياسية، والجنائية. ولا يتعلق الأمر بالدفاع عن السياسة الإجرامية التي اتبعها النظام النازي في التعامل مع خصومه السياسيين دون تمييز على خلفية دينية أو عرقية، بل بإخضاع ما يعرف بـ “الهولوكوست” إلى مراجعة تاريخية قائمة على دراسة موضوعية على ضوء المعلومات التي صارت متاحة بعد أن غامر عدد من أصحاب الفكر الحر بطرح صورة مغايرة وكلفهم هذا معاناة حقيقية أضرت بمسيرتهم المهنية وقادت بعضهم إلى السجن، مثل روبرت فوريسون وأرنست زوندل. أجل كان السجن مصير بعض الباحثين الذين نشروا أعمالهم في بلاد تتغنى بالحريات الديمقراطية وبحق كل إنسان بالتعبير عن رأيه. ففي تلك البلدان يحق لأي شخص نشر دراسات حول الإلحاد وحول الديانات الكبرى، لكن عندما يصل الأمر إلى موضوع المحرقة المزعومة يتحول البحث العلمي إلى جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا أمر قائم في ستة عشر بلداً أوروبياً ، في حين تم اقتراح قوانين مماثلة في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لكن هذا الطرح جوبه بانتقاد واسع من قبل الجمعيات والمؤسسات المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومن المعروف أن الرواية الرسمية المعروفة ركزت على ثلاثة مواضيع رئيسية هي معسكرات التجميع، وغرف الغاز، والمحارق.
كان معسكر التجميع في داشو هو أول موقع يخصصه النظام النازي لعزل المعارضين السياسيين حيث تم افتتاحه في شهر آذار من عام 1933 وتم تخصيصه لاعتقال وتعذيب المعارضين السياسيين من شيوعيين واشتراكيين ونقابيين. لكن ومع تسعير النزعة القومية والعنصرية تم توسيع عمليات الاعتقال لتشمل البولنديين والغجر واليهود. صحيح أنه كان هناك يهود بين المعتقلين، لكن توقيفهم كان على أساس سياسي.
وفي الواقع شهدت العلاقات بين الحركة الصهيونية والحزب النازي مرحلة تعاون امتدت من وصول الحزب النازي إلى السلطة عام 1933 حتى عام 1942 تاريخ تبني فكرة الحل النهائي للمسألة اليهودية دون أن يعني هذا نفي وقوع ممارسات قمعية ضد اليهود كما حدث في ليلة 9/10 من شهر تشرين الثاني 1938 التي شهدت موجة من الهجمات المنظمة ضد مواقع دينية ومتاجر لليهود.
إذن لم تكن علاقة اليهود الألمان بالحكومة النازية متوترة على الدوام بل كان هناك الكثير من النقاط المشتركة بين برنامج الحركة الصهيونية ومخططات الحزب النازي وتم تتويج التعاون بين الحركتين في عام 1933 بتوقيع اتفاقية الترحيل ( الهافارا) التي سمحت خلال الفترة الواقعة بين 1933-1941 بهجرة حوالي ستين ألف يهودي ألماني إلى فلسطين بفضل اتفاقيات أخرى عقدت بين الألمان والصهاينة. ومثل هذا العدد نسبة 10% من مجموع عدد اليهود الألمان عام 1933، كما شكل هؤلاء نسبة 15% من مجموع اليهود في فلسطين عام 1939.
وفي واقع الأمر عانى اليهود في ألمانيا من القمع والتمييز حيث أجبروا على وضع نجمة صفراء على ثيابهم، كما فرض عليهم البقاء في أحيائهم لكن لم يتحول الأمر إلى اضطهاد حقيقي إلا عام 1941 بعد تبني المنظمة الصهيونية العالمية موقفاً مؤيداً للحلفاء.
وفي شهر كانون الثاني من عام 1942 تم إقرار فكرة الحل النهائي للمسألة اليهودية والتي قامت على خطة تجميع يهود ألمانيا وترحيلهم إلى الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في شرق أوروبا، ولم يتضمن المخطط أي ذكر لعمليات قتل جماعي، وهذا أمر يؤيده واقع أنه بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية لم يتمكن أي طرف من إبراز وثيقة واحدة تتضمن خطة لتصفية يهود أوروبا على الرغم من قيام الحلفاء المنتصرين بمصادرة كل أرشيف الدولة الألمانية. ولا نقصد بهذا التخفيف من وقع ما قام به النازيون حيث إن اقتلاع إنسان من بيته وإجباره على ترك وطنه يمثل جريمة في حق الإنسانية لا يمكن تبريرها بأي شكل.
وفي واقع الأمر كانت معسكرات التجميع ورشات صناعية ضخمة عملت تحت إشراف المكتب الاقتصادي التابع لقوات العاصفة الذي سخّر سكان معسكرات التجميع في العمل لصالح المجهود الحربي الألماني.
مغالطات فادحة
أما فيما يتعلق بالجانب الديموغرافي للرواية الشائعة التي تتحدث عن ستة ملايين ضحية فقد تمت دراسة الموضوع من قبل باحثين أكاديميين، وتبين أن هناك مغالطات فادحة والدليل الجازم على هذا هو النصب التذكاري القائم في حديقة متحف “ياش فاديم” الذي خصصته حكومة الكيان الإسرائيلي لتخليد ذكرى “الهولوكوست” وصار محطة يقصدها كل كبار ساسة العالم حيث نقرأ على النصب أنه أقيم لتخليد ذكرى قرابة مليون يهودي قضوا نحبهم خلال الحرب، و هذا الرقم يشمل كل اليهود الذين ماتوا ميتات طبيعية، وكل ضحايا العمليات العسكرية بالإضافة إلى اليهود الذي قتلوا بسبب مواقفهم السياسية.
وفيما يتعلق بغرف الغاز من الجدير بالإشارة إلى أن أحداً لم يأتِ على ذكرها قبل نهاية الحرب وانهيار ألمانيا واستسلامها. بل إن كل قادة الحكومة النازية دون استثناء أنكروا أمام محكمة نورنبرغ معرفتهم بوجود غرف إعدام بالغاز. والآن صار لدينا دليل علمي حسم النقاش في هذا الموضوع حيث يعتبر التقرير الذي أعده المهندس فريد .آ. لويشتر، وهو من مواطني الولايات المتحدة الأمريكي وعمل بصفة مستشار لدى حكومة الولايات المتحدة فيما يتعلق بتصميم وتنفيذ وصيانة غرف الإعدام بالغاز، أحد أهم الوثائق العلمية التي زعزعت أسس أسطورة “الهولوكوست” وقدمت القاعدة العلمية التي لخصت نتيجة دراسة الأدلة الجنائية في المعسكرات الواقعة في بولندا والتي حوت غرفاً لإعدام بالغاز المزعومة. وقد عرض التقرير بشكل مفصل الفحوصات الجنائية التي أجريت في بعض معسكرات التجميع التي شاع أنها شهدت عمليات إعدام جماعية وتوصل إلى أنه بعد القيام بفحص كافة المواد المأخوذة من معسكرات “أوشفيتز وماجدانك وبيركناو”، وبعد القيام بفحص المواقع المعنية توصل معد التقرير إلى أنها كحقائق لا يمكن دحضها: مفادها أنه لم يكن هناك غرف إعدام بالغاز في أي من المواقع المذكورة، واستناداً لخبرة الكاتب فإن غرف الغاز المزعومة لا يمكن أن تكون قد وجدت في السابق أو الآن، ولايمكن أن تكون قد استعملت كغرف إعدام. وهنا نصل إلى موضوع المحارق التي زعم أنها استخدمت في حرق جثث الضحايا اليهود الأمر الذي استخدم لتبرير واقع عدم العثور على مقابر جماعية تضم رفات ملايين البشر. وقد تم إخضاع هذا الموضوع إلى دراسات علمية وهندسية وحسابات دقيقة فتبين استحالة توفير وقود يكفي لإحراق ملايين الجثث، كما لم يتم العثور على رماد ناتج عن عمليات حرق واسعة، عدا عن موضوع حساب الطاقة التشغيلية لكل المحارق التي كانت قائمة فعلاً في معسكرات التجميع وفق ما ورد في تقرير المهندس لويشتر الذي كتب بعد دراسة التقنيات المستخدمة في المحارق ومقارنتها مع المحارق الحديثة، وأشار إلى أن دراسة المحارق القائمة في معسكرات التجميع أعطت قرائن تتعارض مع ماهو شائع عن أعداد الجثث التي أحرقت، وتتعارض مع ماهو متوارد عن الزمن الذي استغرقته عملية الحرق.
لا أحد ينكر معاناة اليهود في ظل الحكم النازي وهي معاناة استمرت طوال ثلاث سنوات بين 1942 و1945، لكن ماذا عن معاناة شعوب آسيا وإفريقيا والعالم الجديد؟ ففيما يتعلق بعمليات الإبادة فإن الإبادة الحقيقية حصلت في بلدان العالم الجديد في الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلندة حيث أبيدت حضارات بأكملها. وفيما يتعلق بجريمة الترحيل كيف يمكن لليونسكو تجاهل المأساة الفلسطينية المستمرة منذ سبعين عاماً، وكيف يمكن تجاهل معاناة سكان قطاع غزة الذين يعيشون في ظروف تبدو حياة معسكرات التجميع بالمقارنة معها حياة مرهفة. وقد يكون من المناسب إطلاق مبادرة تطالب منظمة اليونسكو بإطلاق موقع تفاعلي يوثق معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عقود، ويتضمن تسجيلات لشهادات أولئك الذين عاشوا تجربة التهجير عام 1948، والذين لم يتبقَّ منهم على قيد الحياة سوى قرابة الثلاثين ألف شخص، وكذلك عمليات تدمير القرى واقتلاع الأشجار وتغيير طبيعة الوطن الفلسطيني من خلال عمليات تشجير اصطناعية غيرت معالم الأرض والمكان بشكل فظيع. إن الحركة الصهيونية خلقت أسطورة قائمة على مجموعة من الأكاذيب، فهل يصعب علينا الرد بالاستناد إلى الوقائع التاريخية؟