دراساتصحيفة البعث

“السترات الصفراء”.. صحوة الفرنسيين

ترجمة: هيفاء علي
عن موقع إفريقيا-آسيا 1/12/2018
تشهد الساحات الفرنسية مظاهرات” السترات الصفراء” منذ ما يقرب من عشرين يوماً احتجاجاً على قرار الحكومة الفرنسية رفع أسعار الوقود. وقد شهدت العاصمة باريس يوم سبت دامٍ إثر احتدام المواجهة بين المتظاهرين ورجال الشرطة ما أدى إلى انتشار الفوضى وأعمال العنف.
كلنا نعرف أن حركة المواطنين هذه ولدت من مبادرات عفوية وليس من تعليمات الجمعيات أو نقابات العمال أو المجموعات السياسية أو حتى الممثلين المنتخبين للجمهورية..
إنه ضمير المواطن الذي أيقظ خلق حركة احتجاج المواطنين المطالبين باستقالة إيمانويل ماكرون لعدم اضطلاعه بمسؤولياته..
أكثر من 72 ٪ من الفرنسيين يتعاطفون مع حركة التظاهر هذه، وأذكر أن الأمر يتعلق بنسبة الأشخاص الذين لم يصوتوا لتثبيت ماكرون في الاليزيه. في الدرجة الأولى ، اعتقد المبادرون للحركة أن كل شخص لديه سترة صفراء ، لديه فضل أن يراه الآخرون، حيث إن السلامة على الطرق جعلت إلزامياً استخدام سترة صفراء على الطريق العام.
ولكن في الدرجة الثانية، يجب التأكيد أن الاستخدام المكثف للسترة الصفراء يعني بالضرورة للسياسيين أن الشعب على نطاق واسع يعبر عن سخطه منهم و أنه كان مضطراً إلى “رؤيتهم”، فاضطر إلى “سماعهم”. كان عليهم أن يأتوا لمساعدته عن طريق التوقف عن إساءة معاملته من خلال فرض ضرائب مجحفة وغير عادلة بحقه…
ولذلك كانت السترة الصفراء إشارة أولى، تحذيراً، علامة على التجمع ولكن أيضاً إشارة إنذار. إذا استولت “النخبة” المتغطرسة من الأوليغارشية في السلطة على الدولة ، فإنها تسخر من إرادة الشعب وبدون موافقة أغلبيتها، بالتالي هذه السلطة معنية في سماع هذه الإشارة التحذيرية اليوم لأنها لا يمكن أن تسخر من الشعب وتسيء اختبار صبره ومن ثم تفلت من العقاب.

الآن، ماذا نرى وماذا نسمع؟
وزير الداخلية اتهم “السترات الصفراء” بالتواطؤ مع الإرهاب” وقال إنه بوسعه التصرف واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الحركة الاجتماعية.
وعليه فإنه ليس من المستحيل أن هجوم ما تم تنفيذه من قبل السلطة، ولذلك كالعادة، عليها تذكير هؤلاء المتمردين بضرورة الخضوع إلى شكل جديد من أشكال الديكتاتورية افتتح في فرنسا منذ ترسيخ “حالة الطوارئ”! الأيام القادمة ستخبرنا ما إذا كانت حركة المواطن هذه مستمرة!
غطرسة نزيل الاليزيه لا تريد سماع أو فهم أي شيء والإقرار بأن هناك “ثورة” على شكل مطالبات تم قمعها بعنف من قبل رجال الشرطة الذين أساؤوا معاملة الصحفيين، بل وصفها بأنها “غير مقبولة”.
لأنه، بطبيعة الحال، لا جدوى من الخوض في التضليل المعهود والتلاعب بالصور التي تبثها وسائل الإعلام “الرسمية” حول أعمال العنف التي تم إظهارها كما لو أن هذه الحلقة في ساحة الاليزيه كانت الوحيدة التي شهدت الاحتجاجات.
فإذا كان ماكرون يفتقر إلى الوضوح ويصر على القول إن ما يجري في فرنسا ليست سوى أعمال عنف مؤقتة، مجانية وانتهازية تم تنظيمها من قبل بلطجية اليمين المتطرف تلبيةً لدعوة مارين لوبان، فيجب على أحدهم أن يقول لجلالته أن هذه ليست مجرد “ثورة عابرة” وإنما ثورة حقيقية إن لم تُخمد في مهدها”، ويقول له إنه يجب أن يأخذ في الحسبان أنه قد يجازف بالسقوط والقضاء على مستقبله السياسي، ومواجهة المصير الذي قادته إليه إيديولوجيته الليبرالية المتطرفة. الشعب الفرنسي يتحلى بالصبر، يمكنه الانتظار لفترة طويلة قبل الانخراط في الغضب، ولكن عندما تتجاوز الإجراءات الصارمة كل حدود التحمل، فإن روحه الثورية تستيقظ، عندها لن يعد هناك مشكلة في الخضوع أو التورط. في فرنسا، يمكن للغضب الشعبي أن يصبح لاذعاً ودامياً: في غضون ساعات قليلة، تتحول ساحات البلاد إلى ميادين مواجهات دامية بين الشرطة و الفرنسيين.!
يبدو أن ماكرون لم يتعلم شيئاً من دروس التاريخ ، ومع ذلك فإنها تحذر من الأمراء الجدد الذين تمكنوا من الاستيلاء على السلطة، ولكن يبدو لا: لأن كل سلطة هي في حد ذاتها الشذوذ الذي يميل بشكل طبيعي لسوء المعاملة، إذ قال بيرسو عام 1791:” إن السلطة المفوضة بدون أي رقابة أو إشراف تميل إلى تحويل هذا التفويض إلى سيادة، وبالتالي، السلطة المفوضة ليست سلطة وإنما ممارسة السلطة المراقبة من قبل إرادة الشعب الذي يعبر عنها في الدستور المكتوب من قبله وليس من قبل اللصوص لخدمة لصوص البشرية”.
إذا كانت السترة الصفراء نفسها هي علامة تحذير وأيضاً صرخة طلباً للمساعدة، والرغبة في جذب الانتباه والرعاية والاحترام لحياة الملايين من المواطنين المعرضة للخطر وطلب أن يكون محمياً، فإن السلطات حولتها إلى وحش من خلال تجريمها واتهامها بالتواطؤ مع الإرهاب”.. هذه الصرخة التي أطلقتها “السترات الصفراء” عندما تحولت السلطة إلى موعظ غير مسؤول يدعو إلى حمل السلاح، فيما تحولت طفرة “السترات الصفراء” غير المقصودة إلى “سترات واقية من الرصاص”!