إلى أي “تمويل” سنميل؟!
تفتح قضية التمويل عامة وتمويل المشاريع المتعثرة خاصة تساؤلات عدة ومنها: من أين وكيف وبأي ضمانات..إلخ؟.
ولأن الدولة وبقدراتها المالية الحالية، وبعد سنوات الحرب المدمّرة، غير قادرة موضوعياً إلى حدّ ما على تأمين التمويل المناسب للمشاريع الاستثمارية، بنوعيها الجديدة المستحدثة بمتطلباتها المتطورة ضرورة..، والقديمة المتعثّرة بنسب ودرجات مختلفة، وسواء كانت تلك مشاريع قطاع عام أو قطاع خاص، لذلك يغدو البحث عن قنوات تمويلية أمراً لا مفرّ منه، حتى ولو كانت الخيارات في هذا الشأن محدودة بسبب الأزمة وآثارها.
ولعلّ التصريح الأخير لمدير عام هيئة الاستثمار السورية -على سبيل المثال لا الحصر- حول توقف 26 مشروعاً استثمارياً، كلفتها تسعة مليارات ليرة، وتحميله عدم توفر التمويل السبب في إعاقة انطلاقتها، يدلّ على أن عقدة التمويل لا تزال أمام منشار قرارنا المالي والنقدي.
ولعلّ في إشارته أيضاً إلى أن المشروعات المتوقفة قطعت أشواطاً كبيرة في التنفيذ، ولكنها تأثرت بالحرب الجائرة والتقلبات الاقتصادية التي رافقتها، وتأكيده وضوح ضرورة وأهمية دعم هذه المشروعات، وتبسيط وتسريع إجراءات تمويلها، والبحث عن ضمانات غير تقليدية، هو بحدّ ذاته إشارة لما يجب أو لا بد أن يتمّ ولا يتمّ، علماً أن الرؤية الحكومية المعلنة لمرحلة ما بعد الحرب تستهدف إعادة الإعمار، وصولاً إلى استعادة مسيرة التنمية.
وتصل الصراحة في القول إلى إبرازه الدور المهمّ والتكاملي للقطاع الخاص في تحقيق هذه الرؤية، حيث يصبح العمل على استغلال الموارد المتاحة كافة أمراً حتمياً وليس خياراً، وبالتالي إمكانية تحويل هذه الموارد إلى فرص تنموية شاملة متناغمة في قطاعاتها وفق أوسع الآفاق والإستراتيجيات الوطنية هو أفضل الأدوات لذلك.
في ضوء ما تقدم، نعتقد أننا واقعون في مطبّ اختلاط المفاهيم، بين مفهومي التمويل والإدارة المالية، وهذا أمر كثير الحدوث، وهنا لا ضير في توضيح الفارق، فالتمويل هو عملية الحصول على الأموال من أنسب المصادر المتاحة، بينما الإدارة المالية هي الحصول على الأموال من أنسب المصادر وحسن إدارتها واستخدامها، إضافة إلى التخطيط والرقابة المالية، أي إدارة كل النواحي المالية. وعليه فالإدارة المالية هي التطبيق العملي لمفاهيم علم التمويل، بينما علم التمويل كأحد مجالات المعرفة يضمّ أربعة حقول رئيسية تشمل الاستثمارات والأسواق المالية والنقدية وتمويل الشركات والتمويل الدولي.
ومن الملاحظ من خلال هذه الحقول أن التمويل هو مجال من مجالات المعرفة وليس مجرد وظيفة الحصول على الأموال، وفي ظل الاقتصاد الحديث فإن كل شخص يستخدم مفاهيم التمويل بشكل من الأشكال سواء كان هذا التمويل ملكاً للدولة أو مموّلاً من أشخاص بغض النظر عن حجمه، أي بالمفيد المختصر، إن علم التمويل هو علم واسع وديناميكي وفي حالة تطور دائم.
ومن ديناميكة علم التمويل واتساعه، نسأل عما سمعناه ممن التقيناهم من رجال أعمال في منتدى المال والمصارف والتأمين: لماذا ذلك التعاطي التهميشي لشركات تمويلية خارجية وبكتلة مالية، تُفغر لها الأفواه وتجحظ لها العيون، والتي تقدمت لعدد من الجهات الحكومية (ومنها مثلاً هيئة الاستثمار ووزارة النقل..)، مبدية استعدادها لتمويل مشاريعنا الخاصة المتعثرة، مقابل ضمانات بنكية وعقارية وغيرها؟!.
ونسأل أيضاً: إن كانت هناك -جدلاً- تحفظات أو شكوك حولها (علماً أنها من دول صديقة وحليفة، وقدمت كل ما يثبت جديتها المستندية والوثائقية وملاءتها المالية وبالعملة الصعبة..) فلماذا لا نتحقّق ونتبيّن أمرها وطرحها..؟!. أما لا نريد هذا ولا ذاك -بعد أن رحبنا وهلّلنا– فهذا لعمر تمويلنا يضع العقل بالكف!!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com