استراتيجية “أمريكا أولاً” تقوض التعددية
ترجمة:عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 27/11/2018
اختتم منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ الذي عقد في بابوا غينيا الجديدة دون أن يصدر القادة المجتمعون بياناً رسمياً.
وبدلاً من ذلك قامت بابوا غينيا الجديدة بإصدار بياناً رسمياً لرئاسة المنتدى، وذلك للمرة الأولى. وقال رئيس وزراء بابوا نيو غينيا الجديدة بيتر أونيل إن المحادثات اصطدمت بمسألة اللغة الخاصة بمنظمة التجارة العالمية، ورغم أن الولايات المتحدة تدافع بقوة عن إصلاح منظمة التجارة العالمية، والصين لا تبدي اعتراضاً على ضرورة الإصلاح، إلا أن القوتين منقسمتان، وبشكل واضح، حول ما” يجب إصلاحه”.
الولايات المتحدة تعتقد أن منظمة التجارة العالمية لا تناسب واقع الاقتصاد العالمي الحالي وهي تحتاج إلى إصلاحات هائلة، فيما تأمل الصين أن يتركز الإصلاح على آليات تسوية النزاعات.
ومع أن معظم أعضاء منظمة التجارة العالمية يتبنون وجهة نظر الصين، لكن مواقف بعض البلدان المتقدمة متذبذبة، لأنها قلقة من أن تعمل الولايات المتحدة -في حال اعترضت- على الخروج من منظمة التجارة العالمية، وتبني منظمة أخرى، ترى أنها تمكن من المنافسة العادلة، كما تزعم، وتأمل هذه البلدان المتقدمة الاستفادة من ضغوط أمريكا، بصفتها المؤسس الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية على البلدان النامية.
والحقيقة أن الولايات المتحدة تنوي قلب النظام الاقتصادي الدولي والبدء من جديد، الأمر الذي يثير مخاوف واسعة من أن تسير واشنطن في دعم أي تنظيم دولي، أو التخلي عنه، تبعاً لما ترى أنه يخدم مصلحة الولايات المتحدة أولاً، الأمر الذي يحدث فوضى في أسس نظام التجارة العالمي.
كان شعار “أمريكا أولاً” متجذراً بعمق في السياسة الخارجية الأمريكية، لكن واشنطن كانت تهتم ببناء نظام دولي متعدد الأطراف تتولى قيادته، لكنها الآن تريد المزيد من المكاسب على حساب الآخرين، وهي أن الآليات متعددة الأطراف تآكلت وتلاشت قوتها. وسيستمر هذا الاعتقاد لبعض الوقت، وإلى أن تشعر واشنطن بخطورة ما يمكن أن تسفر عنه تداعيات انهيار النظام الدولي القائم. وسيحدث هذا عاجلاً أم آجلاً. فالنظام الدولي الحالي يحمل القيم الغربية ويعطي القيادة للولايات المتحدة، ويدعم الدولار كعملة دولية رئيسية، ويساعد الولايات المتحدة في تعزيز قبضتها على العلاقات الدولية، وهو ما يمكن الولايات المتحدة من تأمين مصالحها بسهولة. وتدمير مثل هذا النظام سيؤدي إلى خسائر كبيرة، وعلى المدى الطويل.
إن بعض النخب الأمريكية تظن، واهمة، أن الصين هي المستفيد الأكبر من النظام الدولي، وهي تخطئ بإلقاء اللوم على الصين في مشكلات الولايات المتحدة.
لقد بلغت الصين تطورها من خلال العمل الجاد، وليس من الاستفادة من النظام الدولي.
وعلى الرغم من أن اقتصاد الصين توسع بسرعة، إلا أن ذلك يعود إلى أن الصين قامت بكثير من العمل، الذي لا يريد الأمريكيون القيام به. وقد استدانت الولايات المتحدة كمية كبيرة من النقد الأجنبي من الصين، الذي حصلت عليها بالكد والجهد.
إن استراتيجية “أمريكا أولاً” لا يمكن أن تصبح “أمريكا تأخذ كل شيء”، فيجب على الولايات المتحدة إعطاء الاقتصاديات الأخرى المجال لمزيد من تطوير علاقاتها مع الدول النامية والاهتمام بها. إن الدول الغربية جميعها بحاجة إلى إعادة التفكير في معنى العدالة، فلا يمكن لها الاستمرار في اعتبار مصالحها أمراً مفروغاً منه، وفي أن تظل البلدان النامية محرومةً إلى الأبد.
يجب أن يهدف تعديل قواعد منظمة التجارة العالمية إلى تحقيق الفائدة للجميع، بدلاً من إعادة توزيع المكاسب على عدد محدود من البلدان. إن من المستحيل أن تكون الولايات المتحدة هي الرابح الوحيد، فحتى إذا عرقلت مسار التنمية للبلدان الأخرى، فإن الولايات المتحدة نفسها لن تجد لها مكاناً.
لقد اختتمت قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ هذا العام دون إصدار بيان مشترك، ودون نجاح كبير، وربما سيكون لقمة الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، خلال مجموعة العشرين ثقل أكبر بكثير. لكن المأمول أن تقوم واشنطن باستعدادات جادة للقمة ولا تعلق آمالها على ممارسة الضغوطات.