“المركزي” يحسم أمره
يبدو أن الإدارة الجديدة لمصرف سورية المركزي حزمت أمرها تجاه إعادة النظر بعدد من القرارات التي كانت تكبل العملية التمويلية، معلنةً صافرة البداية لمرحلة جديدة لقطاع طالما تم نعته بعصب الاقتصاد.
لقد أثلج قرار مجلس النقد والتسليف الأخير الذي أنهى العمل بقرارين سابقين يتعلقان بمنح التسهيلات الائتمانية بالليرات السورية، ومنح التسهيلات الائتمانية على شكل جار مدين، حالة من الارتياح الملحوظ لدى الأوساط المصرفية، ولاسيما أنه يأتي ضمن سياق تذليل الصعوبات والمعوقات التي تحد من مرونة منح التسهيلات الائتمانية، وزيادة القدرة على الإقراض، وتوفير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية، ما يتيح بالنتيجة للمصارف توظيف أموالها وتمويل عمليات الإنتاج اللازمة لدفع العجلة الاقتصادية.
نعتقد أن ثمة مسوغات دفعت بالمصرف المركزي لمثل هذا الإجراء الذي قد يتبعه إجراءات أخرى كفيلة بإعطاء مزيد من المرونة لعمليات التمويل، خاصة تلك الموجهة للعملية الإنتاجية يتصدرها تخمة المصارف بالسيولة لدرجة أنها باتت بمنزلة العبء المترتب على كاهلها، ولاسيما أن وزير المالية أكد أكثر من مرة وجود 1500 مليار ليرة جاهزة للإقراض، ولنا أن نتصور ما قد يتمخض عن هذه الكتلة النقدية -في حال تم ضخها بالفعل في شرايين الاقتصاد الوطني- من منعكسات تنموية..!.
ولعل من المسوغات أيضاً توافق الرؤية الاستراتيجية لمصرف سورية المركزي في المرحلة القادمة مع متطلبات الإعمار وما يقتضيه من تفعيل للمشاريع الاستثمارية والخدمية، فواقع الانفراجات الحالية الظاهرة على جميع الصعد يقتضي بالضرورة العمل على استنهاض القوى التنموية من خلال تشجيعها على الاستثمار عبر منح تسهيلات تنموية أكثر مرونة مما كانت عليه من جهة، وبما يحفظ حق الطرف الممول من جهة ثانية.
ويبقى الرهان على تلقف المستثمر المحلي للرسالة التنموية -إن صح الاصطلاح- للاضطلاع بدوره الحقيقي بالإعمار، وتوجيه بوصلته نحو الاقتصاد الحقيقي المنتج ذو القيمة المضافة، لا الاستكانة إلى نظيره الخدمي الريعي ذو الطابع الاستهلاكي. فبناء الدولة السورية لا يكون أشد صلابة إلا بكفاءات أبنائها وخبراتهم، إذ يفترض أنهم الأقدر والأجدر على توطيد أساس البناء الاقتصادي بأطيافه كافة، ومن المفترض أيضاً أن يكون المستثمر الخارجي رديفاً للمحلي، وربما قناة لتوريد التكنولوجيا وتوطينها بما يخدم العملية التنموية.
حسن النابلسي