قلاعُنا الرّقابيّة..؟!
تشديدُ رئيس مجلس الوزراء على أنّ “الحكومة مستمرة باسترداد كل ليرة لجهة أموال القروض المتعثّرة، وتأكيده على تطبيق المعايير السّليمة لسياسة الإقراض في المصارف العامة”؛ يحيلاننا في العمق إلى السّؤال: أين قلاعنا الرّقابية المُفترضة في رقعة شطرنجنا الإدارية، وفي المقدّمة منها: الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش، والجهاز المركزي للرّقابة المالية؟ اللّتان أُنيطت بهما دستورياً وقانونياً مهام إماطة اللّثام عن لصوص المال العام وأدوات الفساد الإداري والمالي، ودكّ معاقلهم وحصونهم أنّى وُجدت..! إذ كلّما فاحت رائحة فساد من مرفقٍ عام، أو من مالٍ عام منهوب؛ حلّقت إشارات الاستفهام وعلت وتيرة الهمس الشّعبي وبما يحاكي المُنعكس الشّرطيّ: أين هي هذه الأجهزة؟!.
همسٌ مبرّرٌ وتساؤلات مشروعة؛ استحضره واقع نزيف مليارات الليرات من مصارفنا كقروض غير مُغطّاة بضمانات كافية؛ غادرت محافظنا المالية بتواطؤ القيّمين عليها، وفي غفلة من رقيب. كما يستدرجه واقع البضائع المهرّبة التي تعجّ بها أسواقنا دونما إجازات استيراد أو بشهادات منشأ وهميّة تمّ تدليسها في ليل بهيم، وما تفوّت على الخزينة من مليارات الليرات، في ظلّ غيابٍ، أو حضور خجول لجهاتنا الرّقابية بالمطلق، والتي تعدّ من أهم مشاهد الضّعف في النّظم الإدارية، وقد استولدت كمّاً لا يُستهان به من مظاهر الفساد في يومياتنا المعاشة، وأرخت بظلالها الثقيلة على الفرد وعلى المجتمع، وما برحت تشكل عوامل ضعف تخلخل ثقة الجمهور بالهياكل الرّقابيّة القائمة وبعائديتها الوصائيّة أو الرّعائية!.
وفي المقابل فإنّ وجود هيئات رصينة وشفّافة تحظى بثقة رسميّة وشعبيّة، وبمواكبة صحافية وإعلامية، تحرص على تحقيق سيادة القانون، ودكّ معاقل الفساد بشتّى صوره وأشكاله، من شأنها استعادة ثقة الجمهور بالمؤسسات، فضلاً عن ترسيخ الانتماء الوطني، وتعزيز كرامة المرء في وطن أثخنته جراح الظّلام!.
ما يجعل من الضّرورة بمكان وضع الغزوات الرّقابية لهذه المعاقل تحت دائرة الضوء الإعلامي لسببين؛ أولهما: لما يكتسيه فعل الرّقابة بحدّ ذاته من لبوس وطني بامتياز في هذا الظّرف العصيب الذي تجتازه البلاد؛ وما تواجهه من وضع ماليّ أقلّ ما يمكن قوله فيه إنّه ليس على ما يُرام، ومن أعباء أثقلت كاهل الموازنة، في غمرة التّصدي للإرهاب ومنازلة قوى الظلام التي عاثت ودمّرت بُنانا التّحتيّة. وثانيهما: تحقيق فعل الرّدع الرّقابي الوقائي وطمأنة الجمهور على واقع حراسة المال العام من قبل هذه الأجهزة بما هو صلب اختصاصها. والحال أنّ أجهزتنا الرّقابية بمستوياتها كافة وبمختلف صنوفها؛ تبدو اليوم أمام جمهورها العريض؛ في امتحان مشهود، مادّته: استعادة الثقة المفقودة بها، من خلال إعادة النّظر بأدائها وبمخرجاتها؛ بما يُحقّق اجتثاث الفساد، وحراسة المال العام، وتحصين تسييله، كما استعادة المنهوب منه!.
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com