أوروبا والبريكست.. طلاق على الطريقة الانكليزية
تعثر الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوربي في أعقاب مغادرة بريطانيا الاتحاد رسمياً في آذار المقبل، وضع حكومة المحافظين في أزمة حقيقية. إذ تواجه البلاد مجموعة من الضغوط على صعيد المال والاتحادات النقابية، فيما يطالب بعضهم إجراء استفتاء ثان على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
يعتبر انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوربي عام 1973 كعقد زواج أدى في النهاية إلى الطلاق عام 2019 نتيجة تصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج منه. المفاوضات حول الخروج لا تزال جارية جراء حسم شروط الانفصال المادية، وفي الدبلوماسية يختبئ الشيطان في التفاصيل. وستبدأ المفاوضات الجديدة، المعقّدة والقاسية، بشكل رسمي بين لندن وبروكسل في 30 آذار 2019، وسيتم فتح صفحة جديدة في العلاقة المضطربة بين الطرفين. لا أحد يستطيع أن يقول في هذه المرحلة ما هو المستقبل؟! والأسوأ لم يأت بعد. من حيث المبدأ، ينبغي للمناقشات المستقبلية أن تؤدي إلى اتفاقية تجارة حرة، مع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية (الأمن، ومصائد الأسماك، الخ …) في أقرب وقت ممكن بحلول نهاية عام 2020 أو بحلول نهاية عام 2022، إذا كانت بريطانيا تقرر تمديد الفترة الانتقالية، ولكن يبدو أن تيريزا ماي تعاني من مشاكل مع برلمانها البريطاني.
من الواضح أن النخب الأوربية منهكة، وعلى وجه الخصوص، على جانبي نهر الراين، حيث لم يعد الاتحاد الأوروبي يحظى بمواطنة مواطنيه الذين كان من المفترض أن يجلب لهم السعادة والازدهار في ملاذ آمن يحميهم من الاختلاجات المتعددة لعالم بلا ربّان وبلا قواعد.
من الضرورة بمكان النظر في أسباب غضب الشعوب الأوربية من أجل تقديم الإجابات الشافية. في حين أن الأضرار العميقة التي تعاني منها أوروبا خطيرة للغاية وقد تتحول إلى سرطان قاتل. أوروبا ممزقة وضعيفة بسبب سياسة الارتجال وانعدام التخطيط والتفكير العميق.. أوروبا المريضة غير قادرة على مواجهة التحديات التي تهاجمها بكافة أنواعها: تحدي الهجرة مع الجنوب، تحدي المناخ داخل دول الاتحاد الأوروبي مع عقبات الفحم، التحدي التجاري مع الصين، وتحدي الهوية مع دول الاتحاد الأوروبي، التحدي الأمني ومكافحة الإرهاب، التحدي الرقمي، التحدي المالي (تأجيل تعديل منطقة اليورو إلى أجل غير مسمى)، التحدي المالي (دور البنك المركزي الأوروبي) على سبيل المثال، الدفاع الأوروبي المستقل هو الشرط الأساسي لوجود أوروبا السياسي، وتحالف حر لشعوب حرة تختار مصيرها.
لا مزيد من الأحلام لأوروبا التي بنتها الشعوب الحرة! لا مزيد من الأحلام في أوروبا تحمي من أخطاء العولمة الجامحة! لا مزيد من الأحلام من ترياق أوروبا ضد الحمى الوطنية! لا مزيد من الأحلام لأوروبا القوية التي تعول على الساحة الدولية! إن أوروبا تمر بكابوس خطير لا يمكن أن تهرب منه بسبب عدم الوضوح والواقعية. والاتحاد الأوروبي كائن ضعيف مقوض من الداخل. ستكون هناك قيمة مضافة حقيقية لأوروبا فقط عندما تتقدّم على طريق إعادة رسم السياسة، وهذا هو بالضبط ما لم يتمّ القيام به. ولإنعاش أوروبا على أسس ثابتة، على النخبة أن تصبح أكثر واقعية واقل غطرسةً وأكثر انتباهاً لمطالب الشعب المشروعة، وإلا سيكون الطلاق على الطريقة الانكليزية مصير لا مفر منه.
هيفاء علي