أين رقابة الأهل ؟ ألعاب الشبكة العنكبوتية.. تسمّم عقول الأطفال وتشوّه مستقبلهم.. وتدفع بهم إلى هاوية الانتحار!
لم تلق حادثة انتحار طفل دفعته لعبة على الأنترنت للقيام بذلك أي صدى يوازي مخاطر الحالة رغم تكرارها، وإن كان بطرق وأساليب مختلفة، وقد تكون هذه الحالة المدرجة تحت مسمى لعبة مريم واحدة من عشرات الحالات التي تسمم عقول الأطفال، وتشوّه مستقبل تفكيرهم، لدرجة تقودهم لقتل أنفسهم، كما هي مخرجات لعبة مريم تلك، ويشكّل تعلّق الأطفال بالأنترنت البيئة الخصبة لانتشار سموم الراغبين بتشويه عقول الناشئين، وتنشئتها بقوالب معدة مسبقاً، وهنا نقف ونتساءل: من المسؤول الأول عن هذه الآفة الجديدة؟ وكيف يمكننا الحد من تغلغلها في عقول أبنائنا؟.. أسئلة كثيرة يطرحها واقعنا، وآراء مختلفة حول هذه الظاهرة الخطيرة!.
مغريات تجذبهم”
لا ينكر أحد أن وجود وسائل الاتصال وشبكة الأنترنت أصبح لابد منه في حياتنا لأهميته الكبيرة، سواء لأغراض التعلّم والمعرفة، أو للتواصل المستمر، أو للتسلية والترفيه في بعض الأوقات، لكن هذه الأخيرة (التسلية) أصبحت تتخذ مكاناً أكبر من اللازم في حياة أطفالنا، فنجد أطفالاً دون عمر السبع سنوات يحملون أجهزة اتصال، ويمضون كل وقتهم على شبكة الأنترنت، حيث أكدت دراسات أن نسبة تعرّض الأطفال والمراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي تفوق خمس ساعات يومياً، حيث أصبح وجود هذه الهواتف مهماً كوجود الطعام في حياتهم، ولكن إن تطرقنا للبحث أكثر حول سبب هذا التعلّق الكبير بالأنترنت سنجد، حسب المرشدة النفسية ناديا الدبيسي، أول أسبابه غياب رقابة الأهل، لأن الأهل أنفسهم متعلّقون بالأنترنت أكثر من أطفالهم، فعندما يرى الطفل والديه يمضيان معظم أوقاتهما منشغلين عنه وعن احتياجاته، من الطبيعي تقليدهما، والإصرار على إمساك الهاتف، ومشاهدة ما يحلو له، إضافة إلى أن الأهل للأسف في زمننا الراهن يفتقرون للتفكير الصحيح في التربية، حيث لا يخطر ببالهم مراقبة نوع البرامج أو المسلسلات التي يشاهدها أطفالهم، بل العكس تماماً، يتركونهم بكامل الحرية لمشاهدة ما يحلو لهم بحجة أن طفلهم لن يخطر بباله فتح مواقع أو برامج خاطئة، وحسب مقولة بعض الأمهات (بعرف شو مربية)، ولكن ما يحدث العكس، لأن شبكة الأنترنت مجالاتها واسعة، وبما أن هدفها غربي واضح، وهو تدمير عقول الشباب، وإشغالهم بقضايا خاطئة كالجنس، والمخدرات، والفشل، و.. إلخ، فمن الطبيعي أن تعرض مشاهد غير أخلاقية بمجرد الدخول إلى أي موقع حتى لو كان خاصاً بالأطفال، ولأن عقل الطفل تجذبه مثل هذه المشاهد، خاصة في مثل هذا العمر، وفضوله سيجعله يفتح هذه المواقع، ويشاهدها يوماً بعد يوم حتى يتعلّق بها، وكل هذا سيؤثر على نفسيته، وعقله، وتربيته!. تضيف الدبيسي: إن الأهل يفرحون بانشغال أولادهم عنهم، رغم أن الوقت المناسب لتعرّض الطفل للأنترنت هو لمرة أو مرتين في الأسبوع، ولا يزيد عن نصف ساعة باليوم، خصوصاً لكل طفل تحت عمر 12 عاماً، إضافة إلى المغريات الموجودة في شبكة الأنترنت من أغان، وصور، وفيديوهات متنوعة، وألوان تلفت انتباه الطفل، وألعاب، بحيث يشعر الطفل بأنه قائد في اللعبة، ويستطيع التحكم بها، وتحقيق شيء من ذاته، كل هذه المغريات تلعب دوراً أساسياً في تعلّق المراهق بالأنترنت، إضافة إلى أن الأهل يفتقرون التوجيه الصحيح لأنشطة مهمة للطفل تساهم في تنمية مهاراته العقلية وتفكيره.
“انعكاسات سلبية”
بعد التزايد الكبير لإقبال المراهقين على وسائل الاتصال وبرامج الأنترنت، انعكس ذلك سلباً على نواح عدة، أهمها نموهم الجسدي، والذهني، والانفعالي، والاجتماعي، حيث زادت حالات التوحد الناتجة عن تعلّق الطفل بعالم افتراضي، وانعزاله عن محيطه الاجتماعي، خاصة في حالات الآباء والأمهات العاملين، وكثيري الغياب عن المنزل، وترك الطفل على حريته أمام وسائل الاتصال والأنترنت، إضافة إلى تغيير كبير في نفسيته وطباعه، حيث أصبح الطفل يهوى تقليد كل ما يشاهده أمامه، حتى لو كان فوق مستواه العقلي، ويضر بصحته، وأكبر مثال لذلك عندما حاول أحد الأطفال شنق أخيه تقليداً لبرنامج كرتوني شاهده على الأنترنت، أو حتى على التلفاز.
كما انتشرت في إحدى المدارس ظاهرة انتشار المخدرات بين الطلاب، وسبب ذلك كله ما ينشر على صفحات الأنترنت، حيث يحاول الطفل تجربة كل ما يشاهده ويسمعه، ويلجأ للكذب على أهله أحياناً لأخذ ما يريد، إضافة لانتشار حالات التحرش بين الطلاب في المدارس، أو خارج نطاق المدارس، وحتى انتشار العلاقات بين المراهقين تحت مسمى الحب، ولكن للأسف تطبيقه بمفهوم غربي مثلما يشاهدون على الأنترنت حول مفهوم العلاقات غير الشرعية وأشكالها!.
أما من الناحية الاجتماعية فإن مهارات الطفل الاجتماعية تضعف وتصاب بالتراجع، وتزداد نسبة العدوانية الاجتماعية بشكل واضح كون الطفل يتابع مشاهد، وبالتالي يحاكيها ويسقطها على حياته، والنقيض، هناك أطفال يصابون بالخجل والانطوائية بسبب عدم نمو المهارات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي الجسدي كالسلام باليد، والتواصل الاجتماعي الإيمائي كالابتسامة.
حول هذه الفكرة تقول الدبيسي: انتشرت ومازال تنتشر للأسف في وسائل الإعلام والأنترنت صور مباحة وجريئة، وهذا زاد البعد عن الأخلاق، ودرجت مفاهيم سببها دول غربية ليتم نشرها في مجتمعنا، كما كان لوسائل الاتصال دور كبير بالحرب على سورية، وأكثر ما تم تداوله بين الأمهات بأن الطفل يستطيع حماية نفسه من البرامج الخاطئة، ولكن العكس تماماً، فالطفل لا يستطيع حماية نفسه، لأن فضوله كبير لمعرفة المجهول، والأشياء الممنوعة، حتى لو كانت بعيدة عن الأخلاق، وكلها تؤثر سلباً على النفوس، والعقول، والمستوى التحصيلي، وهناك العديد من البيوت هدمت نتيجة لذلك!.
“القرب من الحياة”
بعد الالتقاء ببعض الأمهات وسؤالهن عن سبب تعلّق أطفالهن بالأنترنت، كانت الآراء متنوعة، بدءاً من أول حالة كان رأيها بأن تجربة الأنترنت تجعل أطفالنا أكثر قرباً من الحياة في عصر التقنية، وتضعهم في التفاصيل الأساسية المتعلقة باستخداماتها ومزاياها المعرفية، وأحياناً ثقافة الطفل ذي الأعوام العشرة قد تفوق ثقافة شاب عمره عشرون عاماً قبل عشر سنوات، ويجب أن تتم الرقابة على الأطفال ولكن بذكاء.
أما رأي أم ثانية فكان مخالفاً تماماً للرأي السابق، حيث أوضحت بأن وجود الأنترنت في حياة أطفالنا يؤدي بهم للفشل، ومع هذا فهي لا تستطيع بكل الأوقات مراقبة ما يشاهده طفلها، أو منعه من استخدام الهاتف بحجة بكائه، ورفضه لتناول الطعام إن لم يستخدم الأنترنت، ويتابع برنامجه الكرتوني المفضل توم وجيري.
وبحسب رأي أخير لإحدى الأمهات: “لم يسبق لي أن أعطيت طفلتي هاتفي لتلعب به، والأمر يعود لتجربتي من أطفال إخواني وصديقاتي المتعلّقين بدرجة كبيرة بهذه الهواتف وتطبيقاتها”، وحسب قولها فإن أحد أطفال أقاربها بات بعيداً عن محيطه الاجتماعي وتفاعله مع أقرانه بدرجة كبيرة، وتشير إلى أن غالبية الأمهات اللواتي تعرفهن يستخدمن هذه الهواتف لإشغال أطفالهن بدلاً من بناء علاقات مع هؤلاء الأطفال، مؤكدة أن الطفل في هذا العمر بحاجة للتفاعل، والحديث مع محيطه الاجتماعي حتى يتمكن من التعبير اللغوي والنطق بشكل سليم.
“معاً كي نرتقي”
وحسب رأي الأستاذ بسام الريشاني، المرشد النفسي في نقابة المعلمين بالسويداء، بخصوص الحلول المقترحة لتفادي ظاهرة تعلّق الأطفال والمراهقين بالأنترنت، صرح بأن الدور الأول للأهل هو مراقبة أولادهم، ومتابعة أخبارهم بشكل دائم للتعرف على مشكلات قد تحدث معهم في المدرسة، إضافة لتحديد نوع البرامج التي يجب أن يتابعها الأطفال بما يتناسب مع عمرهم وملكاتهم العقلية، كما أكد أن للمدرسة دوراً مكملاً لدور الأهل، وذلك من خلال بروز دور المرشد والخبير النفسي لتوجيه الطفل نحو أفكار سليمة محققة الأخلاق بنشر محاضرات توعية كي نرتقي بجيل نحن بأشد الحاجة له في الفترة الراهنة.
آراء كثيرة ومتنوعة، ولكن الطريق واحد، فجميع الآراء والدراسات تؤكد الهدف المباشر للأنترنت في مجتمعنا، وهو تدمير عقول صاعدة سعياً لنشر ثقافة منافية للأخلاق، وعلى الرغم من غياب مسؤولية الأهل في حماية أبنائهم من خطر الأنترنت، إلا أن الجهود ساعية لنشر حملات توعية للحد من الانفلات في تغلغل الأنترنت في بلدنا.
“يداً بيد”
إذاً أفكار غريبة ودخيلة بدأت تتغلغل في مجتمعنا، وتساهم في تفكيكه، ويلعب الأنترنت الأداة الأنسب لذلك، ويشكّل الأطفال البيئة الخصبة لانتشارها، لذلك لابد من حماية الأطفال من تعلّقهم الكبير بالأنترنت عبر رقابة الوالدين أولاً، والحرص الأكبر، والانتباه، وتنظيم وقت الأبناء ما بين الدراسة، والنوم الكافي، والاستخدام المنطقي لبرامج الأنترنت، وهذا الاستخدام لا ينفي وجود فوائد تساعد في تنمية مهارات الطفل وملكاته العقلية والنفسية، وخاصة إذا تابع برامج تعليمية، سواء باللغة العربية، أو الانكليزية، وإرشاد الأطفال، والأخذ بيدهم لاستخدام الأنترنت بشكل عقلاني، وتلافي الوقوع بأخطاء تؤدي بأبنائنا للضياع، ولا ننسى إغفال دور المدارس في نشر حملات التوعية لطلابها عن طريق محاضرات وندوات يقدمها خبراء نفسيون لتكون جهودهم متضافرة مع جهود الأهل لتربية وتنشئة الأطفال والمراهقين أفضل تنشئة، كما أن لوسائل الإعلام دوراً أكبر في نشر مواقع وبرامج تعليمية صحيحة بعيدة عن الأفكار والقيم الغربية التي تحاول الدول المعادية نشرها في مجتمعنا.
أليس مرشد