“لم تؤت ثمارها”!
الازدحام الكبير على نوافذ التسجيل في الدراسات العليا يفسح المجال أمام مخيلة أي مشاهد لتركيب صور مختلفة فيها من التشابه والتطابق مع حالات الازدحام التي ألفنا مشاهدتها في أماكن أخرى كالأفران بما فيها من إشكاليات وسلوكيات شائنة، وبشكل يسيء إلى هيبة واتزان الجامعات من حيث التصرفات التي تمارس بغية الوصول إلى النافذة، والتجاوزات التي تتم من قبل بعض الموظفين لصالح أصحاب الحظوة على اختلاف تصنيفاتهم وأساليبهم!.
وبصراحة هذه الحقيقة التي نضعها على مكاتب المسؤولين في الجامعة ووزارة التعليم كان من الممكن أن تقل قيمتها الموضوعية والواقعية لولا أنها مدعمة بمشاهد رأيناها بأم العين، وبشكل يحيل كلام الجهات المعنية إلى ميزان المساءلة والاستفسار عن إجراءاتها حيال هذه الوقائع التي يحتضنها الحرم الجامعي على مرأى جميع الجهات التعليمية والطلابية النقابية.
طبعاً لا نريد من طرح هذه القضية شرعنة مخاوف الكثير من الطلاب من فكرة تكرار سيناريو المعاناة الجامعية التي علّقت حلولها على مشاجب التمني والأحلام، بل نعمل على ضخ نوع من الطاقة الإيجابية بأن هناك من يرى ويحاول المساعدة في نقل المعاناة، وإيصال الصوت الطلابي الذي يعتبر بعد كل هذه السنوات أن أي كلام يتعلق بتحصيلهم العلمي، ولا يقترن بخطة تنفيذية محددة الزمن والخطوات، هو مناورة غير ناجحة، ودوران في حلقات التشخيص التي لم تؤت ثمارها حتى الآن، فالواقع التعليمي مازال مأزوماً رغم الحديث المتكرر عن محاولات عديدة، سواء في ميادين المعالجات، أو الاستثمار الفعلي، فإلى هذه اللحظة لم يتم توجيه السياسات والبرامج التعليمية نحو تفعيل وتطوير صفات الإبداع والتجديد والابتكار الخلاق، وبشكل يسهم في تطوير وتنمية قدراتهم، والتعامل مع قضاياهم التعليمية ومعاناتهم من منظور مركب وشامل، أي أن تتحمّل الجهات المعنية مسؤولية تحسين مستواهم العلمي، ومتابعة واقعهم، والمشكلات التي تعترضهم.
ليس من باب الانتقاد للعمل التعليمي والاستراتيجية التي يتبناها، بل من باب النصيحة، نقترح لتحقيق خطوات متقدمة على صعيد التحصيل العلمي العالي معالجة مثل هذه الظواهر، ووضع استراتيجية جديدة للدراسات العليا تراعى فيها الرغبات، وتفتح مجالات جديدة وتوسع دائرة الاستيعاب التي لم تعد كافية أو قادرة على الاستجابة للأعداد الجديدة، عدا عن تسريع وتيرة العمل لناحية فتح نوافذ أكثر للتسجيل، إلى جانب تأمين المراجع المطلوبة، وفتح قواعد بيانات وارتباط جديدة مع جهات علمية أخرى.
إن الأزمة التي مرت بها سورية تركت ندوباً واضحة في حياة عدد لا يستهان به من طلابنا، إلا أنهم رغم كل ذلك كانوا ومازالوا صمام الأمان، وأثبتوا حباً حقيقياً وصادقاً لوطنهم بأفعال وأعمال ترجمها تصميمهم على متابعة التحصيل العلمي، ونعتقد أن المرحلة الآن باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في خارطة التعليم العالي، وتوسيع مداراته العليا؟ فهل تطلق صفارة بدء تنفيذ استراتيجية تعليمية متكاملة من ناحية القبول والمناهج، وغيرها من القضايا ذات الصلة بفتح آفاق أكثر انفتاحاً أمام الطلاب، وبشكل ينتشلهم من خيار البحث عن المستقبل خارج الحدود، خاصة أنهم باتوا أكثر استسلاماً لهذا الخيار؟!.
بشير فرزان