ماكرون.. الجمهورية السادسة!
على الرغم من أنه لم يكمل سنته الثانية في قصر الإليزيه، إلا أن المشاكل الداخلية والخارجية بدأت تطوّق عنق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي سجلت آخر استطلاعات للرأي إنه الأسوأ في تاريخ الرؤساء الفرنسيين في الشعبية، ( 23 % من الفرنسيين مؤيدون له)، متساوياً في ذلك مع الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
الرئيس الشاب القادم من خارج منظومة الأحزاب التقليدية “يسار- يمين” لم يستطع كسب أي تأييد على قرار داخلي اتخذه، وهو الذي أطلق وعوداً غير مسبوقة لكسر الركود الاقتصادي، وتحقيق نمو يحسّن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لعامة الفرنسيين، ليفاجئ الذين انتخبوه بقرارات تعاقبهم: “زيادة أسعار الوقود” وغيرها من القوانين التي تدعم في النهاية الأغنياء وأصحاب الثروة على حسابهم.. حتى عندما حاول التفكير بضغط النفقات وتخفيفها، فإنه اتجه نحو تخفيف ميزانية الإنفاق العسكري، فاصطدم برئيس أركان جيشه، الذي استقال احتجاجاً على ذلك. وهذا ما حصل مع البقية من المقربين منه، وكانوا العماد الرئيس لحملته الانتخابية، الذي تخلوا عنه بسبب سياساته المتهورة، مثل وزير البيئة ووزير الداخلية.
كل ذلك أدى إلى خروج الفرنسيين الحانقين من سياساته للشوارع، فكانت مطالب أصحاب السترات الصفراء “وتحرّكاتهم دليلاً دامغاً على فشله حتى بالتعامل مع الاحتجاجات، فقد حاول التقليل من شأنهم وتشويه صورتهم بأنهم محسوبون على خصومه، ولاسيما اليمين المتطرف منهم، ولكن بالمحصلة وتحت وطأة الاحتجاجات وتهديدها بإسقاطه رضخ هو وحكومته وتراجع عن قراراته المجحفة.
أما خارجياً، ولأن فرنسا وبالتحديد منذ الولاية الثانية للرئيس الأسبق جاك شيراك فقدت بوصلتها تجاه الشرق الأوسط وربما العالم، عبر تبني سياسات أمريكية خالصة بعد “قرارات لقاء النورماندي الشهير بين شيراك وجورج بوش الابن”، ومع استمرار التخبّط مع الرئيسين ساركوزي وهولاند، فقد سعى ماكرون أيضاً، وعبر الملف السوري، لتحقيق انتصار ما يعيد فرنسا إلى الواجهة من جديد، ولكنه بقي أسير السياسات الأمريكية وبوقها الذي تتكلم به، بداية من تشكيل لجان خماسية وإصدارها قرارات بصفة الانتداب الجديد، ومروراً بزيادة التواجد العسكري الفرنسي والعدوان على مواقع سورية تحت ذرائع واهية، وليس انتهاءً برفضه عودة المهجّرين إلى سورية.
ولم يقتصر الأمر على سورية، ففي ليبيا لقيت طروحاته بإنشاء مراكز إيواء دولية للمهجّرين انتقادات من جمعيات حقوق الإنسان، وعدتها نوعاً جديداً من أنواع العبودية. وفي أوروبا ورغم سعيه مع المستشارة أنجيلا ميركل للعب دور ما في العالم من بوابة اتحاد أوروبي قوي، فقد ظهر التباين بين الطرفين بعد رفض باريس القوي دعوة برلين للتناوب على مقعد فرنسا في مجلس الأمن الدولي.
أما العلاقة مع أمريكا فكانت الفيصل الذي أظهر عدم قدرة ماكرون على فرض التعامل معها نداً لند، حيث أفشل ترامب اتفاق المناخ، الذي حاول ماكرون عده انتصاراً دولياً له، بانسحاب واشنطن منه، وجعله مثاراً للسخرية في العالم وأمام شعبه بعد تغريداته حول “إنشاء جيش أوروبي موحّد”، والتراجع عن قراراته أمام احتجاجات السترات الصفراء.
أمام كل ذلك، يبدو أن فرنسا وماكرون ذاته أمام واقع صعب وخطير، وقد يؤدي في حال استمرار فشل سياساته السياسية والاقتصادية، إلى مزيد من التوتر والغليان في الشارع الفرنسي الذي يبدو اليوم عازماً على إحداث تغيير ما قد يكون بمثابة التأسيس لجمهورية سادسة تقترب أسرع فأسرع بسبب سياسات متهوّرة لزعيم متغطّرس.
سنان حسن