نتنياهو التائه في أنفاق المقاومة
هرباً من الاستحقاقات التي تلاحق حكومته وكيانه المتصدّع، دخل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في أنفاق المقاومة اللبنانية كمناورة إعلامية لتجنّب المخاطر التي تهدد مستقبله السياسي، والتي بدأت تداهم حكومته، لكنه احتماء لن ينقذه، لأن جميع المؤشرات تصب في غير مصلحته ومصلحة كيانه.
قبل أيام من دخوله متاهة أنفاق المقاومة، التقى نتنياهو وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بروكسل، وعاد بهدف معلن هو إطلاق عملية البحث عن أنفاق “حزب الله” وتدميرها بعد حراك أمريكي مريب تمّ رصده منذ نهاية شهر تشرين الأول الماضي، تمثل بهبوط طائرات مجهولة في مطار “حامات” شمالي لبنان بشكل دوري لتفريغ صناديق ضخمة مجهولة المحتوى، قبل أن يتبيّن أن الطائرات تتبع لقيادة العمليات الخاصة في سلاح الجو الأمريكي، بحسب ما قاله مركز “فيريل” الألماني.
من المؤكد أن الفشل سيكون حليف نتنياهو، خاصةً أن له تجارب فاشلة بامتياز في حملاته المتكررة ضد أنفاق غزة، وطائرات المقاومة الورقية والكورنيت هناك، يضاف إليه فشله الذريع في استعراض العضلات في سورية، وآخرها “نكسة” الهجمات الصاروخية باتجاه منطقة الكسوة. كل هذه العوامل تجمّعت مع التحوّل الكبير الذي يحدث حالياً في أوروبا، والذي قد يضعها في الفوضى لسنوات عديدة، وتكون المحرّك الأساسي لمياه حكومة الكيان الصهيوني الراكدة، إضافة إلى تصريحات دونالد ترامب عن احتمالات سحب قواته من الشرق الأوسط، ما يعني أنه لم يبق أمام نتنياهو إلا افتعال أزمة تعيد ترتيب الأوراق في المنطقة.
نتنياهو المأزوم بشخصيته ومشروعه وكيانه، مثله كمثل حلفائه في الشرق الأوسط، يحاول الهروب عبر إثارة ضجيج الأنفاق في الجزء الشمالي المحتل من فلسطين ليتجنّب تبدد أحلامه. هذا الضجيج وفقاً للقواعد العسكرية والاستراتيجية لن يقود إلى حرب فعلية في الأفق لأكثر من اعتبار وأكثر من سبب، خاصة أن الذي يحكم العلاقة بين المقاومة من جهة، والعدو الإسرائيلي من جهة أخرى، هو معادلة الردع التي فرضتها المقاومة، وخاصة منذ عام 2006 وانتصار تموز، وهذه المعادلة فاعلة إلى الحد الأقصى اليوم.
منذ فترة يعتمد الكيان الإسرائيلي استراتيجية “الاستعلام”، أي أن تقوم “إسرائيل” بعمل ما، وتلقي إشاعات، وتنتظر ردة فعل الطرف الآخر، لكن المقاومة تعي جيداً هذه الاستراتيجية، وتقابلها باستراتيجية مضادة تقوم على مبدأ “الغموض”، أي أنها لا تكترث بأي شيء يصدر عن “إسرائيل”، ولا تقدّم لها خدمات مجانية في الإعلام، وبالتالي تلتزم الصمت، وهذا ما يزيد من قلق الكيان الإسرائيلي، ويفشل أفخاخه الإعلامية وحربه النفسية.
لهذا فإن حملة نتنياهو الكاذبة، مثلها كمثل كل المعارك الإعلامية الفاشلة، ستكشف في الأيام القادمة مدى هشاشة الكيان، لأنه بمجرد الإعلان عن أنفاق المقاومة سادت حالة من الرعب لدى المستوطنين هناك، ولايزال التخبّط سيد الموقف حتى الآن، في مقابل إعطاء المقاومة الصدقية في تبني وعودها.
لذلك ليحرث نتنياهو الأرض، لكنه لن يحصد إلا الخيبة، وما يعرفه عن قدرات المقاومة لن يقوده إلى أية مغامرة هرباً من أزماته، لأنها لن تكون نزهة.
علي اليوسف