ثقافةصحيفة البعث

بعد عرضه في ثقافي أبو رمانة “تحت سماء دمشق”.. أقدم وثيقة سينمائية سورية

كانت فرصة ثمينة لمحبّي السينما السورية أن تقوم فعالية “مدانا سينما” بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما وضمن أمسية سينمائية مميزة بعرض فيلم “تحت سماء دمشق” إخراج إسماعيل أنزور وهو أقدم وثيقة سينمائية سورية متوفرة في مجال الفيلم الروائي الطويل، ويُعدّ ثاني فيلم سوري بعد فيلم “المتهم البريء” الذي يُعدّ أول فيلم سوري وقد أُنتِج عام 1927 وتلف جزء منه نتيجة التخزين السيئ ولم يتبقَّ منه سوى دقيقتين.

تاريخ السينما السورية

بفضول كبير وعلى مدار 59 دقيقة تابع محبّو السينما فيلم “تحت سماء دمشق” في مركز ثقافي أبو رمانة ضمن فعالية “مدانا سينما” وبيَّن محمود عبد الواحد مستشار وزير الثقافة أن عرض الفيلم هو محاولة لقراءة تاريخ السينما السورية ومعرفة ظروف نشأتها وما هي الصعوبات التي تعرّض لها روادُها الأوائل الذين وضمن إمكانيات قليلة حاولوا صنع سينما سورية في ظروف أعاقت السلطات الفرنسية عملَهم لتقديم فنٍّ حديث في الوقت الذي كانوا فيه يحاولون تقديم هذا الفن الحديث عالمياً بأيدٍ سورية، مؤكداً أن فيلم “تحت سماء دمشق” ليس مجرد فيلم سينمائي بل هو وثيقة سينمائية وتاريخية عن دمشق وأحوالها عام 1932.

ثاني فيلم سوري

وأكد الناقد السينمائي نضال قوشحة في تعريفه للفيلم أن “تحت سماء دمشق” لإسماعيل أنزور (والد المخرج نجدت أنزور) هو الفيلم السينمائي السوري الثاني وقد أُنجز بعد المغامرة الأولى “المتهم البريء” الذي واجه مطبّات إنتاجية وترويجية فجاءت نتائجه غير مرضية لأصحابه الذين كانوا مجموعة من محبّي السينما يأتي في مقدمتهم رشيد جلال الذي لم يثنِه عدم نجاح التجربة الأولى عن تكرارها بعد ثلاث سنوات ولكن من خلال خبراء في صناعة السينما، حيث تعاون مع صديقه إسماعيل أنزور الذي درس السينما في النمسا وعاد إلى دمشق وهو يمتلك معرفة سينمائية دقيقة استطاع من خلالها تقديم تجربة ناضجة ومشروع فيلم سينمائي حقيقي بعد أن كتب سيناريو يحكي فيه عن موضوع الغيرة بين الرجل والمرأة وقد استفاد من كل المطبات التي وقع فيها “المتهم البريء” فاستعان بمديري تصوير شهيرين آنذاك لتقديم فيلم سينمائي بشكله الصحيح، مشيراً قوشحة إلى أن الفيلم صوِّر بكامله في دمشق حيث صوِّرت معظم مشاهده في القصر الذي كان يعيش فيه الأمير عبد القادر الجزائري في دمّر البلد وساهم فيه فنانون مسرحيون وأُنتج عبر شركة “هليوس فيلم” التي وضعت كامل ميزانيتها لإنتاجه، إلا أن مجموعة من الأحداث رافقت الفيلم حدَّت من نجاحه، فبعد أقل من أسبوعين من عرضه (وهو فيلم صامت) عُرِض في دمشق أول فيلم مصري ناطق وهو “أنشودة الفؤاد” بإخراج إيطالي مما سبَّب ارباكاً في عرض “تحت سماء دمشق” صامت لإقبال الناس على الفيلم الناطق، وعلى الرغم من كل المحاولات التي قام بها صنّاع فيلم “تحت سماء دمشق” لترميم بعض النواقص فيه لمجاراة الفيلم المصري إلا أن جميع هذه المحاولات لم يُكتَب لها النجاح ليوقف عرضه من قبل السلطات الفرنسية، فمُنيَ أصحابه بخسائر كبيرة أدّت إلى تبعثر جهود مؤسسيه وإصابة مخرجه بالإحباط، فانسحب لينحسر الإنتاج السوري الخاص  لفترات طويلة.

كنز حقيقي

كما أشار المخرج يزن أنزور حفيد إسماعيل أنزور إلى أهمية عرض الفيلم الذي يُعدّ كنزاً حقيقياً وهو من أسَّس للسينما السورية، مؤكداً على أن مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة يجب أن تهتم بهذا التراث من خلال عرضه والترويج له بطرق مختلفة، وهو أمر ضروري للأجيال السينمائية الشابة ليتعرفوا على صناعته والظروف الحقيقية التي أُنتِج فيها هذا الفيلم وأفلام أخرى وهي ظروف صعبة عكس الظروف الحالية التي من الممكن فيها إنتاج فيلم بأقل التكاليف وبأفضل التقنيات، منوهاً إلى ضرورة أن يتعلم الجيل السينمائي الجديد من هذه التجارب الصعبة للتأكيد على ضرورة البحث عن الصعب في السينما للخروج عما هو تقليد وعدم استصعاب أي عمل، خاصة وأن التقنيات اليوم تساعد على ذلك ويجب استثمارها لتطوير السينما السورية مع مواجهة التحديات لتقديم سينما سورية متطورة ضمن الإمكانيات المتاحة، خاصة وأن الشباب السوري طموح وقادر على أن يقدم سينما مهمة وحديثة، منوهاً إلى أن جدَّه حاول ضمن الظروف المتاحة تقديم سينما راقية في مضمونها وتعبّر عن البيئة الدمشقية المتحضرة في توثيقه لدمشق خلال تلك الفترة بشوارعها وساحاتها وحياتها الاجتماعية وعلاقاتها الإنسانية عكس بعض أعمال البيئة الشامية التي شوَّهت ما كانت دمشق تعيشه في تلك الفترة .

إسماعيل أنزور.. ريادة سينمائية

ولِدَ في حلب عام 1903 وتوفي عام 1981 وهو يُعدّ ثاني أكاديمي عربي درس فن السينما في فترة مبكرة، فبعد دراسته للهندسة الزراعية في اسطنبول سافر إلى فيينا لدراسة الإخراج وعمل مساعد مخرج مع التركي أرطغرل محسن، وعند عودته إلى سورية التقى رشيد جلال واتفقا على تأسيس شركة هليوس فيلم، وتعاونا على إنتاج فيلم روائي صامت هو “تحت سماء دمشق” الذي كان سيفتح الطريق لسينما كان يمكن أن تكون متطورة لو أن الظروف سنحت لمتابعة هذه الخطوة، وبعد “تحت سماء دمشق” اتجه إسماعيل أنزور للكلية الحربية السورية في حمص عام 1946 وأصبح آمر فصيلة خيالة وشارك في معارك 1948 في فلسطين، وفيها استشهد أخوه جواد ليعود إلى التصوير حين أسس مع رشيد جلال أول أستوديو في الجيش حيت تفرغ لإنجاز عدد من الأفلام الوثائقية للجيش.

أمينة عباس