رغم الاعترافات.. الحياة الزوجية باقية ومستمرة
على الرغم من أن الحرب برأي المخرج المسرحي مأمون الخطيب لم تنتهِ بموضوعاتها بالنسبة له إلا أنه أراد من خلال مسرحية “اعترافات زوجية” -التي تستمر عروضها يومياً على خشبة مسرح القباني ضمن نشاط مديرية المسارح الموسيقا في احتفالية يوم الثقافة- خوضَ تجربة مسرحية جديدة ليس بهدف الخروج من موضوعة الحرب وإنما رغبة منه في التجريب، مبيناً أن له عودة أخرى لموضوعة الحرب التي تبناها في أعماله السابقة وسيستمر في تناولها ليشتغل على ارتداداتها وانعكاساتها على النفسية السورية وإن كان مقتنعاً أن الحرب بشكل أو بآخر تلقي بظلالها على مسرحية “اعترافات زوجية” من خلال الجو العام لها.
مد وجزر
ويعترف الخطيب أن “اعترافات زوجية” أُنجِزَت من قِبَلِهِ بعد أن دعته مديرية المسارح والموسيقا لتقديم عمل مسرحي بمناسبة يوم الثقافة ليقع اختياره على نص له علاقة بالثقافة وهو نص أجنبي يبحث في العلاقة والمؤسسة الزوجية.. موضوع إنساني يمسُّ الخطيبَ بشكل كبير لأنه يبحث وينبش في حيثيات هذه المؤسسة بعلاقاتها وتركيبتها وشكل المدِّ والجزر فيها، لتبقى محكومة في كثير من الأحيان بالاستمرار، مشيراً إلى أن نص “اعترافات زوجية” يتناول موضوعاً واقعياً إلا أن الشرطية موجودة في العرض من خلال الديكور وطبيعة التعامل مع الأفعال من خلال الممثلين، مؤكداً أن العمل على الواقعية ليس بالأمر السهل، لذلك كان من الضروري تقديم الموضوع بطريقة سلسة وشفافة.
الشراكة الفنية
وحول اختياره للممثلَين مالك محمد ورنا جمول لدور الزوجين يبيّن الخطيب أن قناعته بمواهبهما وللشراكة الفنية التي تجمعه معهما، منوهاً إلى أنه يعمل بأسلوب الفرقة، وجمول إحدى أعضائها بعد أن شاركته في مجموعة من الأعمال المسرحية.
ويشير الخطيب إلى أن المسرحية تؤكد أنه مهما حدث فإن الحياة مستمرة، فالمشاكل إما أن توقف الحياة أو تساهم في تكريس مفهوم أن الحياة بلا مشاكل ليست مهمة، وأن رسالته في العرض تؤكد على أن المؤسسة الزوجية باقية ومستمرة مهما حدث فيها من مد وجزر.
ليست المرة الأولى
ولأنها تعشق المسرح لم ولن تنقطع عن الوقوف على خشبته، وهي لديها رغبة دائماً في العمل مع أشخاص تتفق معهم فنياً، ومنهم المخرج مأمون الخطيب الذي تربطها به صداقة ورؤية مشتركة ومشروع مسرحي يجمعهما كممثلة ومخرج.. من هنا فإن عملها الدائم مع الخطيب هو جزء من هذا المشروع الذي أنجزا فيه عدة أعمال مسرحية مثل “نبض-هدنة-زيتون” وهي أعمال رصدت الحرب، لتتواجد جمول اليوم في “اعترافات زوجية” من خلال موضوع إنساني تناوله الكاتب بحبكة متينة ساعدتها على أداء شخصيتها بعيداً عن الإطالة والتكرار اللذين اشتغلت عليهما الدراماتورج آنا عكاش والتي قامت بتبيئة العمل، منوهة إلى صعوبة الشكل الواقعي الذي تُقدَّم فيه المسرحية وهو شكل يتطلب الكثير من الدقة والحذر، ولأنها ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها مع المخرج الخطيب تؤكد جمول على المساحة الكبيرة التي يمنحها الخطيب عادة للممثل واقتراحاته، وهي اليوم سعيدة كذلك كونها تعمل في المسرحية مع ممثل صديق اعتادا أن يلتقيا من خلال الإذاعة والدوبلاج، الأمر الذي سهَّل عملية التعاطي مع الشخصيات في العمل.
عمل حياتي بملمح فني عالٍ
وبعد مشاركته العام الماضي بعرض مسرحي فني راقص مع المخرج مأمون الخطيب يعود الفنان مالك محمد لخوض تجربة مسرحية أخرى مع الخطيب من خلال مسرحية “اعترافات زوجية” معتبراً أن هذه التجربة تجربة مسرحية حقيقية كعمل درامي يعود من خلاله محمد إلى خشبة المسرح بعد انقطاع دام نحو 17 عاماً، مشيراً إلى أن “اعترافات زوجية” عرض مسرحي متكامل باعتباره يسلط الضوء على الشخصيات بأبعادها النفسية والاجتماعية وبكينونتها وتاريخها، حيث يستحضر عبر شخصيته (جمال) ذكرياته الجميلة والسيئة مع زوجته وأسباب الخلاف بينهما في الماضي والحاضر لنكتشف تدريجياً أنه يعيش ضمن دائرة زوجية قائمة على مجموعة مشاكل ومنغصات ولحظات هنية وظروف مواتية لاستمرار الحياة الزوجية، وهو انعكاس -برأي الخطيب- للمؤسسة الزوجية في كل مكان في الكرة الأرضية، مبيناً محمد أن الشكل الواقعي الذي تُقدَّم فيه المسرحية كان خيار المخرج من خلال اتفاق الممثلين معه على صعيد آلية تقديم الشخصيات باعتبار أن العمل حياتيّ ولكن فيه ملمح فني عالٍ وآلية تعاطٍ بأسلوب مسرحي مختلف حتى لا يكون ملاصقاً تماماً للواقع.. من هنا تم الاتفاق مع المخرج على العمل بأسلوب واقعي بمفرداته التي تلامس الجمهور انطلاقاً من الحوار والتحدث بلسان الشخصية، موضحاً محمد أن أسلوب الأداء والنص هو الذي فرض هذا الشكل الواقعي بكلماته المحكية وأسلوب الأداء الذي يشبه الواقع بمفردات وردود أفعال الشخصية المشابهة لأي واحد من الجمهور، منوهاً إلى أن الرتابة التي يفرضها الشكل الواقعي تم تجاوزها من خلال النص المكثف وقدرته على الانتقال من مرحلة لمرحلة، إلى جانب الارتجالات التي تمت إضافتها نتيجة تضافر الجهود وعمل الدراماتورج آنا عكاش التي اشتغلت على النص ليظهر العرض في النهاية بالشكل الذي يتابعه فيه اليوم الجمهور.
وعن المخرج الخطيب يوضح الفنان مالك محمد أنه مخرج ديمقراطي يعطي للممثل مساحته للاقتراح ودفعه تدريجياً للخيار المرسوم على الورق الذي توصل إليه المخرج بفضل الخبرة والتجربة التي يتمتع بها وهو الذي في رصيده عدد كبير من الأعمال المسرحية، مع التأكيد على أن الخطيب من المخرجين الذين يفسحون مجالاً للتجريب للممثل بدلاً من التقيد بالنص.
شارك مالك محمد عام 2000 في مسرحية “سيف الدولة الحمداني” مع المخرج جهاد سعد كذلك شارك في نفس العام مع المخرج سلمان صيموعة في مسرحية “معطف غوغول” بدور صديق بطل المسرحية الذي يتعاطف معه ولكن دون أن يتمكن من اتخاذ خطوات تترجم هذا التعاطف، إلا أن عمله في التلفزيون والسينما أبعده قليلاً عن المسرح الذي فيه لذة ومتعة وفائدة هائلة بالنسبة له، منوهاً إلى أن الممثل مهما كان معينه ضخماً فسينضب في التلفزيون، إلا أن المسرح بئر جميل لن يتكرر الدلو فيه مرتين، وكل عمل فيه يشكل إضافة وإغناء حقيقيا لروحه، لذلك كان لا بد له من العودة إلى المسرح، وكانت هناك محاولات سابقة للوقوف على الخشبة قام بها، إلا أن النتائج لم تثمر لأسباب عديدة.
ويشير مالك محمد إلى أن نصاً مسرحياً له سيرى النور من خلال المسرح القومي عام 2019 عن نص لهاني شاهين بعنوان “وارث من الدنمارك” ويرى أن هكذا تجارب تغني مسيرة الفنان وهي فرصة ليثبت نفسه في مكان غير متوقع.
أمينة عباس