فاتورة دعم مرهقة.. والأمن الطاقي في ذمة الوعي ثقافة الترشيد الغائبة والشعرة التي قسمت ظهر قطاع كامل..
بين ليلة وضحاها ارتفع حجم استهلاك الكهرباء بشكل مضاعف، فكان لابد من العودة للتقنين، والدعوات لترشيد استهلاك الكهرباء، وفي معادلة الترشيد والتقنين يبرز سوء الفهم لطرفي هذه المعادلة عند المواطن الذي يجد أن التقنين هو أداة الترشيد، بينما “الكهرباء” تجد أن الترشيد يخفف من التقنين، وهنا تكون مهمة فريق دائرة حفظ الطاقة في كهرباء السويداء الذي يعمل جاهداً لنشر الوعي حول أهمية الترشيد في استهلاك الكهرباء، كالنحت في الصخر، فاصطدام مفهوم الترشيد مع التقنين جعل المهمة صعبة أمامهم، متنقلين بين الدوائر الرسمية، والفعاليات الشعبية، والمؤسسات الإعلامية يمضون معظم وقتهم، والهدف الوصول لنقطة أساسية وهي التمييز بين التقنين والترشيد، ولكن المهمة صعبة.
الدفء والتقنين
في الحديث عن الترشيد والاستهلاك لابد من توسيع الدائرة لتشمل مدى الألم الذي يلحقه التقنين بالمواطن، وبالمقابل ارتباط مقدار الألم بكمية الاستهلاك، وبلغة الأرقام يقول المهندس نضال نوفل، مدير عام مؤسسة الكهرباء في السويداء: إن استهلاك السويداء كان في الصيف لا يزيد عن 85 ميغاواط/سا، بينما يصل اليوم إلى 180 ميغاواط/سا، أي أنه تضاعف بسبب التدفئة، وإذا كان من حق المواطن الحصول على الدفء، لكن هذا سينعكس على ساعات التقنين.
إذاً باتت المعادلة واضحة، “الدفء مقابل التقنين”، وطالما أن الكهرباء تعمل وفق مبدأ “الجود من الموجود”، فإن ترشيد استخدام الطاقة هو الحل الأمثل، فالتحديات الكبيرة التي اعترضت قطاع الكهرباء منذ بداية الأزمة طالت كافة مكوناته من محطات توليد، وتحويل، وشبكات نقل وتوزيع، حيث قامت العصابات الإجرامية بالوكالة عن مشغليهم بالتخريب الممنهج للبنية الأساسية لقطاع الكهرباء، ما أدى إلى توقف معظم عنفات الكهرباء التي تم تركيب أغلبها في تسعينيات القرن الماضي، وبداية الألفية الجديدة، ويتضح من ذلك، “والحديث للمهندس نوفل”، أن بناء قطاع الكهرباء تم خلال الفترة المذكورة ضمن خطة الدولة في التنمية المستدامة، وعمودها الفقري: الطاقة، موضحاً أن عدم وجود تنوع في مصادر الطاقة في سورية أدى إلى، “إذ إن حوالي 95% من الحمل يعتمد بشكل أساسي على المحطات التي تعمل على الغاز والفيول”، خروج المحطات عن الخدمة إثر انقطاع مصدر الوقود خلال الحرب على سورية، ناهيك عن غياب أية مساهمة للطاقات المتجددة بأنواعها المختلفة في الحمل، ما يفرض التوجه بالسرعة القصوى إلى إيجاد مصادر أخرى للطاقة، إذاً يعد تنوع مصادر الطاقة أحد أهم أركان الأمن الطاقي الذي يعني ضمان التوازن بين أشكال الطلب على الطاقة والتزود بها، وعن واقع الطاقات المتجددة في سورية التي كثر الحديث عن ضرورة الاستفادة منها لحل أزمة الطاقة، ذكر المهندس نوفل أن الاستفادة من هذا القطاع تتطلب استثمارات كبيرة، وقد قامت الحكومة بإصدار التشريعات المناسبة لمثل هذا النوع من الاستثمار، مبيّناً انطلاق بعض مشاريع الطاقة الكهروضوئية مثل مشروع نجران الذي تم وضعه في الخدمة، ومحطة عجمان في قرية حوط جنوب السويداء التي بدأ العمل بتنفيذها، وستكون باستطاعة 1 ميغا.
فاتورة مكهربة
وبالعودة إلى لغة الأرقام أيضاً فإن مدفأة الكهرباء تستهلك 4 كيلوواط بالساعة، وبعمليات جمع بسيطة سيجد المواطن نفسه في خانة الشريحة الرابعة من شرائح الاستهلاك، أي سيتحمّل عشر ليرات لكل كيلو كهرباء يصرفه، أي أن فاتورته مضافة لها الضرائب ستقارب 20 ألف ليرة سورية.
أما عن موضوع ترشيد استهلاك الكهرباء، وأهمية نشر ثقافة الترشيد، ودور المواطن في تطبيقها، بيّن نوفل أن البعض يعتقد أن مفهوم الترشيد يعني الضوابط والإجراءات التي تقيد حرية استخدام الكهرباء، والاستفادة من مصادرها، أو أنه أسلوب خاص للتوفير ناتج عن نقص إمدادات الكهرباء، والحقيقة أن ترشيد الاستهلاك لا يعني تقليل الاستهلاك، وإنما يعني بالتحديد الاستهلاك الأمثل لموارد الطاقة الكهربائية المتوفرة واللازمة لتشغيل الأجهزة الكهربائية، بما يحد من هدرها دون المساس براحة مستخدميها، أو إنتاجيتهم، أو المساس بكفاءة الأجهزة المستخدمة أو إنتاجها، ويتم تحقيق هذا الهدف من خلال اعتماد أساليب وتدابير حكيمة رشيدة في مختلف قطاعات الاستهلاك، لذا يعد ترشيد استهلاك الطاقة بمضمونه العام واجباً دينياً وأخلاقياً ووطنياً بكل ما لذلك من معان سامية.
الكرات والثقوب
وبالعودة لمهمة فريق حفظ الطاقة التي يشرح تفاصيلها المهندس سهيل زين الدين، وهو رئيس الدائرة في السويداء، في كيفية إقناع ربة المنزل بالترشيد، ورغم قناعته الكبيرة بإمكانية تطبيق ذلك، إلا أن تداخل المفاهيم في تفكير الشريحة العظمى من أبناء المجتمع جعل الواقع معقداً، فما هو سبب إصرار فريق ترشيد الاستهلاك على تنفيذ مهمتهم رغم صعوبة التنفيذ؟ وما هي أدوات الإقناع التي بين أيديهم؟ وهل من عوامل قوة يملكونها لتحقيق ما يسعون إليه؟.
يقول المهندس زين الدين: “يعتقد غالبية الناس أن مفهوم ترشيد استهلاك الكهرباء يعني تقييداً لحريتهم في استخدامهم الكهرباء، والاستفادة من مصادرها، وبالمقابل كل مواطن مسؤول عن الطاقة التي يستجرها، وقد لوحظ في الآونة الأخيرة استهلاك زائد بالطاقة، سواء بالبيوت، أو بالمؤسسات، وهذا الواقع يفرض بالضرورة إعادة النظر بتنظيم سلوكنا اليومي في مجال حفظ وترشيد الكهرباء، سواء في القطاع المنزلي، أو في الدوائر الحكومية، فلو علمنا أن إطفاء مصباح واحد استطاعته 100 W لسنا بحاجة لإنارته في كل منزل لمدة خمس ساعات في اليوم يحقق وفراً سنوياً يقدر بحوالي “30” مليار ليرة سورية، فإن هذا ربما يعيد حساباتنا من جديد كي نكون مساهمين في ترشيد الكهرباء، لاسيما أن الحكومة السورية تقدم دعماً لسعر الكيلوواط الساعي الكهربائي، وبالتالي انخفاض قيمة التكلفة على المواطن مقارنة بدول العالم”.
نصائح استهلاكية
النصائح التي يتسلّح بها فريق حفظ الطاقة تصب في خانة الإرشادات الاستهلاكية، وهي ليست صعبة التنفيذ، أو مستحيلة السلوك، فكل ما تتطلبه هو تعويد الذات على مثل هذا النوع من الممارسات لنجد وفراً فردياً في فاتورة الكهرباء، ووفراً وطنياً عبر تخفيض فاتورة الدعم لهذا القطاع، فمثلاً من تلك النصائح قطع التيار الكهربائي قبل السفر، أو الخلود إلى النوم عن التلفزيون، أو أية أجهزة الكترونية أخرى، فهي تستنفد الطاقة حتى وهي مغلقة، واستخدام الحرارة المبرمجة الكترونياً في أجهزة التدفئة والتكييف، وإيقافها عند الخروج، أو عندما لا تكون قيد الاستعمال، وضبط أجهزة التكييف عند درجة حرارة لا تقل عن 24 درجة مئوية لضمان الحصول على بيئة مريحة، والاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية، وعدم ترك السخان الكهربائي متصلاً بالطاقة الكهربائية في حالة عدم استخدامه، وضبط درجة الحرارة بحيث لا تتجاوز 45 درجة مئوية لضمان الحصول الدائم على الماء الساخن، بالإضافة إلى أن هذا يطيل من حياة السخان الكهربائي، وإجراء صيانة دورية للأجهزة الكهربائية مثل الفرن الكهربائي، الغسالة، والمدفأة، والتحقق دائماً منها للتأكد من أنها لا تستنزف أية طاقة لا لزوم لها.
ومن النصائح أيضاً زيادة استخدام ضوء النهار الطبيعي بدلاً من استخدام الطاقة الكهربائية لإطالة عمر أنظمة الإضاءة، بالإضافة إلى خفض تكلفة فاتورة الكهرباء، واستخدام المصابيح الموفرة للطاقة، وكذلك استخدام الإضاءة الموجهة بدلاً من الإضاءة العامة، واستبدال المصابيح العادية بمصابيح الفلوريسنت.
بين فكي كماشة
إذاً الكل معني ومدرك لأهمية قطاع الكهرباء، والكل يدرك أيضاً التحديات التي تعترضه، وقد يكون الحديث اليوم عن إجراءات تحقيق الأمن الطاقي عبر البحث عن بدائل توليد جديدة سابقاً لأوانه، وإن كانت هناك بعض المبادرات، لكنها مازالت تصب خارج دائرة العمل الاستراتيجي، وبالنتيجة العداد الكهربائي يدور حسب الاستهلاك غير مبال بالوضع الاقتصادي للأسرة، ولا بواقع كميات الكهرباء المقننة التي من المفترض استهلاكها، وبالنتيجة أيضاً فإن الموجود الذي تجود به الوزارة من ميغاوات كهربائية يجب إدراك أهمية ترشيد استهلاكها كي لا تقع الأسر بين فكي التقنين من جهة، وارتفاع الفاتورة من جهة ثانية!.
رفعت الديك