ثقافةصحيفة البعث

أبنـــــــــــاء الشـــــابكــــــــة

 

 

إن الحديث عن واقع الأطفال والمراهقين، الواقعين تحت تأثير عوالم التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، لمرحلة لا تُبشر بخير لأجيالنا القادمة، خصوصا وأن زمان الحرب الذين وعوا فيه، ورأوا فيه ما رأوا من أهوالها، وكابدوا على حداثة سنهم ما كابدوا من مشقتها، تحملوا ما لا تتحمله الجبال قرب أهلهم، أطفال ومراهقون وجدوا أنفسهم دون أن يعرفوا لماذا، في أتون نار مشتعلة لا ترحم، وكان لعالم النت ما كان من تأثير خطير عليهم في هذه المرحلة بالتحديد، عندما حمل الأطفال هواتف ذكية، وشاهدوا بأم العين الوحشية والدمار والدم، شاهدوا الرعب وعاشوه، ما ألقاهم تحت تأثر صدمة غير ظاهرة معالمها إلا من خلال، وقوع هذا الجيل تحت سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، واستلابه إياهم بشكل مرعب، ما أدى إلى ابتعادهم عن المواهب الحقيقية التي تنمي النواحي العقلية والجسدية الصحية، كالقراءة والرياضة، الكتابة، الغناء، وغيرها من المواهب التي خف عددها بين صفوف أطفالنا وفي جميع المجالات، مقارنة بزمن مضى وليس هو بالزمن البعيد، لكن كما يُقال:”اليوم في الحرب يعادل سنة كاملة دونها”، هذا عدا عن الوقت الطويل الذي يقضونه واعينهم معلقة بتلك الشاشة السحرية التي بين أيديهم، وهم لا يعلمون أنها قنبلة موقوتة، يحملونها بفرح، هذا ما رأته إحدى الصديقات في عالم ابنة اختها الصغيرة، فما كان منها إلا ان ذهبت إلى أقرب مكتبة وابتاعت عددا من الكتب التي تخص الأطفال، ثم طلبت منها أن تقرأ الكتب، وأن تكف عن التعامل مع عوالم النت، أو على الأقل التخفيف منه ما أمكن، فهو ليس بالعالم الآمن لهذه الشريحة العمرية، التي لا تدرك حجم المعلومات المغلوطة التي يقدمها، عدا عن الترهات المؤذية الي يتلقونها، والتي تؤثر أيضا في تلك العقول الغضة. والنتيجة كما أخبرتني أن الفتاة أحبت الكتب، وبدأت بقراءتها؛ ما يعني أننا نستطيع الحدّ من هذه الظاهرة المتفشية لدى النشء عندنا، عندما نُقدم لهم بديلا اصيلا، وبإشرافنا بشكل مستمر، يفتح لهم عوالم الخيال على مصراعيه، من خلال الحكايات التي يحملها الكتاب، وهذا ما يربي ذائقة جمالية وحسية صحية وليست مشوهة، ذائقة يُخشى أن الحرب تكاد تكون شوهتها، وشارك في هذا التشويه بالشكل والمضمون، بل كان الحامل له، عالم الشابكة، الذي يحوي ما هب ودب، ولديه تأثيره وسطوته حتى على عالم الطفولة والمراهقة، الشرائح العمرية الهشة، والتي هي بمثابة ورقة بيضاء، يُطلع عليها ما تقع عليه أولا من أفكار ورؤى ومعلومات، ويبقى لها أثرها في دواخلها ما بقوا. إلا أن ثمة أراء متباينة حول هذا الموضوع، فهناك من يرى أن هذا الأمر جيد، لأنه يقدم المعلومة بشكل أسرع للطفل، ويستطيع ان يشاهد البرامج الترفيهية التي يحبها، كما أنه يبعده عن الشارع، الذي صار منزلقا خطرا في زمن الحرب.
السيد أبو نبيل، وهو موظف في واحدة من الشركات الخاصة، لم ير أن الأمر خطير لهذه الدرجة، في حال تمت مراقبة ومتابعة ما يطلع عليه أبناؤه وهم في أعمار مبكرة، معتبرا أن لكل جيل أداته التي من خلالها يحدد هويته مستقبلا، ويبدو أن التوجه نحو العالم الرقمي، هو ما يلوح في الأفق على كونه الهوية،فهذا زمن العولمة التي لا تعترف بحدود ولا بحواجز من أي نوع، وانتهى الأمر.
السيدة سهى- ربة منزل وخريجة علم نفس، ذهبت إلى طرح مختلف، في تأكيدها على ضرورة عدم اقتناء هذه الشريحة العمرية تلك الأجهزة الذكية من الأساس، فقد صارت أدوات تواصلهم مع العالم الخارجي، حتى ذلك القريب منهم، “شاهدت بأم العين إحدى السيدات تتحدث مع ابنتها، فظننتُ أنها ليست في البيت إلا أنها كانت في غرفتها تلهو على “الفيس”، قالت السيدة سهى مستنكرة الموضوع، “هذا طفل، لا يجوز أن يقترب من هذا العالم قبل أن يصبح ناضجا، وهنا يأتي دور البيت والمدرسة والمجتمع بمؤسساته الاهلية ، وبرامجه وخططه، لأطفال الغد، جيل العمل مستقبلا، الجيل الذي سوف يكون من البناة، بعد الدمار الذي حاق بالبلاد، وإن لم يكن جيلا يمكن الاعتماد عليه، فهذه مصيبة، وهذا الجيل يجب أن تتم تربيته على القيم الثلاث(الحق-الخير-الجمال) وبالتأكيد الفيس بوك ليس هو من يستطع زرع هذا في نفوسهم” ختمت السيدة سهى.
الأستاذ غسان- مدرس، يرى ما يمكن أن نعتبره رأيا وسطا بين كل من الرأيين السابقين: “بالتأكيد لا يمكن ان تمنع ما انتشر كما الوباء في المجتمع، وساهمت الحرب في تسريعه وبشكل لا يصدق، إلا ان الآثار السلبية والإيجابية موجودة في هذا العالم، وكل حسب تربيته يذهب” وتابع: “لدي العديد من الطلاب في صفي، يتواصلون معي عبر الواتس وغيره، خصوصا في فترة الامتحانات، والمعلومة صارت أسرع بالتأكيد، لكن يجب الوثوق بها أولا من مصدرها، وهنا يأتي دور المدرسة والمجتمع عموما، في التوجيه نحو الموضوعات التي يمكن لها أن تكون مفيدة وذات قيمة عند هذه الشريحة العمرية الصغيرة نسبيا، إنها ضرورية اليوم، لأنها صارت أداة العصر، وهذا يجب علينا أن نتابع تطوراته، لكن المشكلة، أننا نستخدم منتجا، لم نشارك في صناعة أي شيء فيه، ما يبقينا مستهلكين ومن كافة الأعمار لهذا المنتج، لذا من الطبيعي، أن نرى عيوبه ومحاسنه ظاهرة، وهذا ما ستقوله الأيام” انهى الأستاذ غسان حديثه.
واقع أن العالم المسمى تحت عنوان عريض، عالم الترفيه، ليس بريئا ولا علاقة له بالتأثير على الوعي كما يدعي، فله قوة جذب قوية، وإلا لما كان ملايين الناس، وفي كل أنحاء العالم، حتى في القرى النائية، يخوضون فيه، لذا نحن أمام أمر واقع حساس وخطير، وكنا شاهدنا ما شاهدنا من أطفال، استلب عقلهم هذا العالم الافتراضي، فصاروا قتلة، يحاكون ما يرونه ويشاهدوه على أجهزتهم، وهذا في المقام الأول بالنسية لي، هو مسؤولية الأهل، فلا يجوز أن يحمل الطفل أولا هذه الأجهزة، لأنها لا تعنيه، ففي مشاهدات عديدة، رأيت كيف يقوم الأهل، بمصالحة أطفالهم الذين تمت معاقبتهم لأسباب مختلفة، بجهاز “أيباد” وغيره، بل وعليه كل البرامج التي صار ابنه يعرفها على حداثة سنه، وكانت النتيجة مروعة عندما سألته، -أي للطفل- من تحب أكثر هذا الجهاز أم أباك، فقال: لا هذا الجهاز.
تمّام علي بركات