أدلة جديدة على ضلوع ابن سلمان في قتل خاشقجي
يبدو أن جميع محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التغطية على تورّط ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي باءت بالفشل، بعد أن اتسعت مروحة الانتقادات لهذا الأمر لتشمل نواب الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض، حيث تعالت الأصوات، وخاصة داخل الحزب الجمهوري المنادية بمعاقبة ابن سلمان على جريمته.
فقد جدّد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام اتهامه ولي عهد النظام السعودي بالتورّط في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد أن أعلنت محطة “سي. إن. إن” الأميركية حصولها على ترجمة تسجيلات لآخر لحظات خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول وكيفية مقتله، حيث كانت عبارة: “لا أستطيع التنفس”.. آخر كلماته قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، ليبدأ فريق الاغتيال الذي أرسله النظام السعودي إلى تركيا لتنفيذ هذه الجريمة، والتمثيل بجثة القتيل، وتقطيع أوصاله بمنشار.
هذه التفاصيل المروّعة كشفها مصدر قرأ نصّ التسجيلات الصوتية للجريمة، وأطلع شبكة “سي. إن. إن” عليه، مؤكداً أن “عملية القتل لم تكن محاولة خرقاء، بل تنفيذ خطة معدّ لها مسبقاً لقتل الصحفي السعودي”، مشيراً إلى أن خاشقجي تعرّف في التسجيل الصوتي على أحد قتلته، وهو المسؤول الاستخباراتي السعودي ماهر مطرب، وذلك فور دخوله مبنى القنصلية.
وحسب المصدر تحدّث خاشقجي إلى “مطرب”، وقال له: “لا يمكنك فعل ذلك، وهناك أشخاص ينتظرونني بالخارج”، لكن عدّة أشخاص قاموا بمهاجمته دون أي نقاشات أخرى، وتبع ذلك ضوضاء، وسرعان ما كان خاشقجي يصارع من أجل التنفس، وكان صوته مسموعاً، وهو يكرّر القول: “إنه غير قادر على التنفس”.
المصدر أوضح أن نص التسجيلات الصوتية يشير إلى “صوت تقطيع جثة خاشقجي بمنشار، بينما نصح المعتدون بالاستماع إلى الموسيقا للتغطية على صوت التقطيع”، لافتاً إلى أن المسؤولين عن العملية أجروا اتصالات عدة للإبلاغ عن تطورات ما يجري.
سلطات النظام التركي المسؤولة عن التحقيقات في قتل خاشقجي حدّدت صوت أحد الأشخاص الذين ظهروا في التسجيلات بأنه “صلاح محمد الطبيقي” الطبيب الشرعي في وزارة داخلية النظام السعودي، بينما قال المصدر المطلع على التسجيلات: إن الاتصالات التي أجريت من داخل القنصلية السعودية “لا تصف موقفاً مرعباً لانحراف مسار الأحداث أو وقوع أمور غير متوقّعة، بل هي مجرد إبلاغ شخص ما عمّا يحدث”.
التسجيلات المروّعة تؤكد مرة أخرى تورّط النظام السعودي بشكل مباشر في قتل خاشقجي رغم إنكاره الأمر، ومحاولاته اليائسة الالتفاف على الموضوع، والتغطية على دوره بروايات مختلفة ومتناقضة.
وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي. آي. إيه” أشارت بشكل واضح في وقت سابق إلى أن ولي عهد النظام السعودي أمر بقتل خاشقجي، كما أوضحت قيام “مطرب” بالاتصال بسعود القحطاني المستشار السابق لولي عهد النظام السعودي ليبلغه أن العملية تمّت.
بالتزامن، كشفت تقارير أن جاريد كوشنير صهر ترامب ومستشاره الخاص قدّم نصائح واستشارات لولي عهد النظام السعودي حول كيفية التغلب على تداعيات الجريمة، فيما قال مارك روبيو السيناتور الجمهوري بوضوح: “لا نحتاج إلى دليل مباشر على أن ابن سلمان أمر بتنفيذ العملية”، داعياً إلى “ضرورة المحاسبة على الرغم من أهمية التحالف مع السعودية”.
وما لم يقله روبيو جاء على لسان السيناتور الجمهوري لندسي غراهام، حيث كشف أنه “ليس هناك شك لدى أي سيناتور حضر إحاطة مديرة الاستخبارات المركزية الأميركية جينا هاسبل، بـتورّط ابن سلمان في قتل خاشقجي”، وأعلن أنه “ضد فكرة بناء علاقة مع نظام مجرم ومع سفاح مثل محمد بن سلمان”.
وفي السياق ذاته، أكد الكاتب البريطاني روب كريلي ارتباط كوشنير صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره الخاص بعلاقة قوية مع ابن سلمان برزت بوضوح من خلال تقديمه نصائح واستشارات للأخير بشأن كيفية التغلب على تداعيات جريمة قتل خاشقجي، وأضاف، في مقال نشرته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية: إن “العلاقة بين كوشنير وابن سلمان بدأت منذ عامين تقريباً، وتضمّنت لقاءات مع أكبر مساعدي ابن سلمان عندما انتخب ترامب رئيساً للولايات المتحدة”، مضيفاً: إن “ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين عبّروا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مؤخراً عن قلقهم من المحادثات غير الرسمية التي جرت بين كوشنير وولي العهد السعودي، لأنها ستعرّض صهر ترامب للتلاعب به” من الرياض، وأشار إلى أن التكشّفات الجديدة بأن ولي العهد وكوشنير بقيا على اتصال وثيق رغم هذه الجريمة، أثارت الكثير من الانتقادات والمناشدات بضرورة أن يتخذ ترامب موقفاً حازماً بهذا الشأن، حيث نقل الكاتب عن السيناتور روبيو عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قوله: “لا يمكننا أن نكون أمة تدير وجهها إلى الجهة المقابلة عندما يقوم أي من حلفائنا بأمر مروّع، كما أنه ليس من مصلحتنا الدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان”.
بدورها دعت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في مقال للكاتب جيمس داوني، إلى ضرورة أن يشرع الديمقراطيون في التحقيق بفضيحة الاتصالات بين كوشنير وابن سلمان، حيث أشار إلى أن هذه الصداقة بقيت مستمرة حتى مع انقلاب العديد داخل وخارج الحكومة الأمريكية على ابن سلمان، ولفتت إلى ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز السبت الماضي من أن كوشنير حثّ ابن سلمان على حل نزاعاته في جميع أنحاء المنطقة لتجنّب المزيد من الإحراج، وقال: إنها “علاقة يمكن للأغلبية القادمة من الديمقراطيين التحقيق فيها”.
وأشار داوني إلى أنه مع تزايد الأدلة على تورّط ابن سلمان تحوّل كوشنير إلى أحد أهم المدافعين عن الأمير السعودي داخل البيت الأبيض، ففي شهر تشرين الأول الماضي قال النائب الديمقراطي إليوت إنجل، الذي ينتظر أن يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي: إن “مقتل خاشقجي ليس شيئاً يمكننا أن نبعد رؤوسنا عنه، ومن ثم فإن نصيحة كوشنير لابن سلمان حول كيفية التعامل مع هذه العاصفة تجعله عرضة للتحقيق”.
وكان أعضاء في الكونغرس الأمريكي عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي وجّهوا في وقت سابق انتقادات لاذعة لوزيري الدفاع الأمريكي جيم ماتيس والخارجية مايك بومبيو لتواطئهما مع نظام بني سعود في قضية مقتل خاشقجي، ولاسيما أن النظام السعودي قدّم روايات متناقضة حولها قبل أن يقول: إنه تم قتله وتقطيع جثته بعد فشل مفاوضات لإقناعه بالعودة إلى السعودية، ما أثار موجة غضب عالمية ضد هذا النظام ومطالبات بتحديد مكان الجثة.