الإصلاح.. بالترقيع!
وصفنا في تسعينات القرن الماضي إنجازات وزارة المالية بـ(الإصلاح بالترقيع)!، وقلنا حرفياً في زاوية نشرناها في جريدة البعث: (لا يجوز أن يقتصر الأمر على ترقيعات تحدث هنا وهناك ونقول عنها بأنها إصلاح ضريبي.. إن الترقيعات التي تسميها وزارة المالية تحديثاً لأساليب العمل المالي لن تجدي نفعاً إن لم تضع نظاماً ضريبياً متكاملاً هدفه الأساسي خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية)!.
ولم تتغيّر قناعتنا حتى الآن على الرغم من الضجيج الإعلامي للوزارة في المناسبات التي تُخصّص لمناقشة الإصلاح والتطوير والتحديث.
ولم نتوقف عن المطالبة بإصلاح النظام الضريبي على مدى العقود الثلاثة الماضية، وكانت وزارة المالية تتحفنا دائماً بردود سريعة مستشهدة بعشرات التعديلات ومشاريع القوانين الجديدة، لتؤكد من خلالها بأنها جادة بإصلاح النظام المالي والضريبي!.
وكنا نردّ دائماً إن ما أنجزته وزارة المالية أقرب إلى الترقيعات منه إلى الإصلاح!.
ولم يُقصّر مجلس الشعب بانتقاد وزارة المالية ومطالبتها بتشريعات ضريبية حديثة خلال مناقشاته للموازنات العامة للدولة، وخاصة عندما تمرّر الوزارة تشريعات ضريبية جديدة تطال حصراً أصحاب الدخل المحدود..!.
وكانت ردود وزارة المالية في مجلس الشعب ملفتة “بل ومفحمة”، فهي تتضمن دائماً أرقام عشرات التشريعات التي تحتاج إلى ضليع في القوانين ليكتشف متى صدرت وهل فعلاً لها علاقة بالإصلاح المالي والضريبي أو بوزارة المالية؟!.
واستمر الجدل على مدى العقود الماضية ما بين وزارة المالية المصرّة على أنها أنجزت الكثير في مسيرة الإصلاح، وبين المنتقدين المصرين على أن ما فعلته الوزارة هو ترقيع بترقيع باستثناء ما يطال أصحاب الدخول الصغيرة.
ولقد يئسنا فعلاً وتوصلنا إلى قناعة: لا جدوى من مماحكة وزارة المالية..!.
ولكن.. ها هو وزير المالية يعترف في جلسة مجلس الشعب يوم 2/11/2018 بوضوح ما بعده وضوح (أن النظام الضريبي الحالي معمول به منذ 1949 ولم يطرأ عليه إلا تعديلات بسيطة وطفيفة)!!.
وهذا يعني أن وزارة المالية لم تفعل شيئاً على مدى 70 عاماً سوى الترقيع، وبعبارات دقيقة كان نهجها (الإصلاح بالترقيع)!!.
وبما أن وزير المالية كشف عن وجود لجنة تعمل على إيجاد نظام ضريبي أكثر عدالة يتماشى مع تطورات العصر، فهذا يؤكد أن بيانات وزارة المالية طيلة عقد التسعينات الذي كان عنوانه “الإصلاح المالي والضريبي” كان مجرد كلام في كلام لا أساس له على أرض الواقع!.
حسناً.. إن مصير نتائج اللجنة الخاصة بإنجاز نظام ضريبي عصري قد لا يختلف عن مصير نتائج اللجان التي شكلتها وزارة المالية في السنوات الأخيرة لتطبيق الأتمتة والفوترة!.
لقد رفض التّجار حتى الآن أتمتة عمليات الاستيراد والتصدير، ورفضوا أكثر وبشدة العمل بالفواتير واستجابت لهم وزارة المالية بل رضخت لمطلبهم دون أية مقاومة!.
وهذا يعني أن من عارض الإصلاح المالي على مدى سبعة عقود ويصرّ على رفض أي تعديل جذري على نظام ضريبي يعود لعام 1949 لن يوافق على نظام ضريبي عادل، ولن يقبل إلا بما فعلته وزارة المالية حتى الآن.. أي الإصلاح بالترقيع..!.
وهذا الإصلاح بالترقيع كان ولا يزال يخدم التّجار ورجال المال، ويلحق الضرر والخسائر بالاقتصاد والناس!!.
علي عبود