تاريخ فرق الموت الأمريكية
علي اليوسف
تتمثل سياسة الاستخبارات العسكرية الأمريكية في الدفع بقواتها السرية أو ما يسمى “فرق الموت” والعصابات في أي منطقة نزاع تتدخل فيها، بهدف تنفيذ عمليات اغتيالات منظمة وإثارة توترات بين أطراف متعددة. وتاريخ الولايات المتحدة الطويل في التمويل السري ودعم كتائب الموت والاغتيالات المستهدفة تعود إلى الحرب الفيتنامية.
وما دامت القوات الأمريكية مصرة على تعزيز قواتها العسكرية شرق الفرات، فإنه من الضرورة في مكان، الإضاءة على الجذور التاريخية لحرب الغرب السرية ضد سورية، واحتمال تدخل “فرق الموت” التي شكلتها أمريكا وحلفاؤها في أي عمليات محتملة في المستقبل. منذ البداية في آذار 2011، دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها تشكيل فرق الموت الإرهابية في عملية خطط لها بعناية. وقد صممت عمليات تشكيل وتدريب كتائب الإرهاب في سورية على غرار “الخيار السلفادوري”، وهو “نموذج إرهابي” لعمليات قتل جماعية نفذتها فرق للموت كانت ترعاها الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى. وقد طبقت بداية في السلفادور، في أوج المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية هناك، وأسفرت عن مقتل ما يقارب 75,000 شخص. ويأتي تشكيل فرق الموت في سورية استمراراً تاريخياً لما فعلته الولايات المتحدة في العراق، وبناءً على خبرتها في رعاية كتائب الإرهاب هناك.
عندما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية “عسكرياً” في السلفادور بأمريكا اللاتينية، أتمت مهمتها الرئيسية هناك ألا وهي تشكيل “فرق الموت” لتبدأ مرحلة جديدة من الإرهاب، وبمرور الوقت صار “داعش” امتداداً لهذه الفرق على أرض العراق وسورية.
ولسنوات طويلة عملت الولايات المتحدة على إنشاء منظمات سرية في المناطق الساخنة لخلق نوع من الفوضى، والقيام بسلسلة لا تنتهي من أعمال القتل العشوائي والتفجير والتخريب، تقوم بها تلك الفرق في بلدان النزاعات.
ذاع صيت “فرق الموت” عندما وقعت (مذبحة الموزوت) نسبة لقرية الموزوت بالسلفادور، في 11 أيلول 1981، عندما قامت كتيبة “الأتلاكاتل” إحدى الكتائب الحكومية بالسلفادور، والمدربة من قبل الجيش الأمريكي بقتل نحو 900 من الفلاحين المدنيين بطريقة وحشية، في عملية أطلق عليها “الإنقاذ”، لتصبح واحدة من أكثر العمليات الإرهابية وحشية في تاريخ أمريكا اللاتينية الحديث، وتسببت في دمار السلفادور من خلال الحرب الأهلية، ما بين أواخر سبعينيات حتى بدايات تسعينيات القرن الماضي.
لم تتوقف “فرق الموت” عند هذا الحد، فقد امتدت عملية صناعة الإرهاب الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط، بداية من الدعم الأمريكي وحلفائه لتشكيل وتدريب الميليشيات المسلحة في العراق وسورية من خلال تنظيم “داعش”.
فقد أسست أمريكا “فرق الموت” في العراق، خلال عامي 2004 و2005، بمبادرة قادها السفير الأمريكي بالعراق عام 2004 جون نغروبونتي، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في هندوراس ما بين 1981 حتى 1985، ولعب هذا الرجل دوراً أساسياً في دعم عصابات “الكونتراس” التابعة لنيكاراغوي والمقيمة في هندوراس، كما أشرف على فرق الموت الهندوراسية، وفقاً لتقرير (تأسيس فرق الموت في العراق وسورية) للبروفيسور الأمريكي مايكل شوسودوفسكي، وأستاذ الاقتصاد بجامعة أوتاوا بكندا.
مرت السنوات، وجاء الدور على سورية، وكان ذلك بإنشاء ما يسمى “الجيش السوري الحر”، والهدف الأبرز خلق انقسامات طائفية. كانت التحضيرات الحثيثة لعملية سورية انطلقت بعد استدعاء ستيفن فورد من الجزائر عام 2008 وتعيينه في السفارة الأمريكية بالعراق، وتطلب المشروع برنامجاً أولياً لتجنيد وتدرب المرتزقة، وأدخلت “فرق موت” إلى سورية لتضم وحدات من السلفيين عبر الحدود الجنوبية مع الأردن عام 2011، بحسب شوسودوفسكي.
المنهج الدموي الوحشي المتهور الذي اعتمدته القيادة الأمريكية، أدى إلى تضارب وجهات النظر مع حلفائهم في مراكز القيادة المشتركة. في يوم 10 حزيران 2016، خرج تقرير لجنة “تشيلوت” البريطاني، الخاص بالتحقيق في تورط بريطانيا في حرب العراق عام 2003، والذي كشف عن فضيحة تخص الحكومتين الأمريكية والبريطانية، متمثلة في استخدام الولايات المتحدة لـ “فرق موت سرية”، لاستهداف أطراف متعددة في العراق، وإلقاء اللوم على أطراف أخرى، في مشهد ذكر العالم بالحرب الأمريكية اللاتينية سابقاً. وقدمت اللجنة أدلة على تورط أمريكا في جرائم الحرب خلال الثمانينات، الأمر الذي أنكرته الولايات المتحدة بشدة عبر كافة الوسائل العامة.
وقد كشف ضباط في القوات الخاصة البريطانية “SAS”، ضمن التحقيق الذي أجري معهم من قبل لجنة “تشيلوت”، بأن القائد الأمريكي ستانلي مكريستال، المسؤول عن قوات مكافحة التمرد، قاد برنامجاً خاصاً ضمن مسؤولياته، تميز بالعنف المفرط، بهدف التسريع بعملية التطهير السياسي ضمن العملية المسماة “بإعادة إعمار العراق”. البروفيسور مايكل تشودوفوسكي، تحدث أيضاً عن أحد أهم الأسلحة التي تستغلها أمريكا بحرفية عالية في خططها القمعية، والمتمثل في “البحار” حيث تسيطر من خلالها على أوضاع البلدان التي تحتلها سواء داخلياً أو خارجياً، بشكل علني أو مبطن.
إن الآثار المدمرة المترتبة على هذه السياسات الخاطئة التي تبنتها الولايات المتحدة ما زالت تعصف بالعراق وسورية إلى الآن، متمثلة في ظهور المنظمات الإرهابية المتطرفة ومنظمات شبه عسكرية في أكثر من منطقة. إن تجربة “فرق الموت” في أمريكا الوسطى تظل مؤلمة للكثيرين حتى يومنا هذا، وقد ألحقت العار بصورة الولايات المتحدة في المنطقة. كانت فرق الموت سمة قاسية للحياة السياسية في أمريكا اللاتينية خلال تلك الحقبة. ولهذا أية مهمة مماثلة في سورية من هذا النوع ستواجه بتكتيك مختلف عن الأيام الماضية، وسيكون عنصر المفاجأة هو سيد الموقف، لكن حتى الساعة من غير الواضح الجهة التي ستتولى المسؤولية عن هذا البرنامج—البنتاغون أم وكالة المخابرات المركزية CIA. فمثل هذه العمليات السرية عادة ما تدار من قبل الـ CIA بعيداً عن الإدارة القائمة بما يمنح المسؤولين الرسميين الأمريكيين القدرة على إنكار معرفتهم بالأمر.