ماي تخسر معركة البرلمان
يمكن القول إن الحكومة البريطانية فقدت سيطرتها على البرلمان بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، ففي أحد الأيام الأكثر دراماتيكية في مجلس العموم، منذ حرب العراق، عانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي سلسلة من الهزائم قبل بدء النقاش حول صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لقد بذلت ماي قصارى جهدها لإلغاء دور البرلمان خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتطلّب الأمر من المحكمة العليا الحصول على تصويت برلماني بشأن إطلاق المادة 50، وهي البادئة في مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. لقد تطلّب الأمر حملة على المشرعين كي يمنح البرلمان “تصويتاً ذا مغزى” على صفقة الخروج البريطاني.
حاولت الحكومة منع التعديلات بمجرد طرح الاتفاق للتصويت، ورفضت طلباً برلمانياً حول المشورة القانونية التي تلقتها بشأن الاتفاق مع بروكسل، بل إنها رفضت إبلاغ النواب عمّا إذا كان يمكن إلغاء المادة 50 من جانب واحد، وسعت إلى منع أعلى محكمة في أوروبا من الاستماع إلى القضية لتقرّر ذلك، لتكون أول حكومة في المملكة المتحدة في التاريخ تنتهك حرمة البرلمان.
وفي هزيمة أخرى، أشارت أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي أنها ستسمح بإلغاء خروج بريطانيا إذا أرادت المملكة المتحدة ذلك، لكن الأهم، هو أن التعديل، الذي طرحه عضو البرلمان الأوروبي دومينيك غريف، يعني أن المشرعين سيكونون أحراراً في التصويت، ويمكن لهم أن يصوّتوا على خططهم البديلة الخاصة بالخروج في حال جرت هزيمة اتفاق ماي في الانتخابات البرلمانية، وهذا يعني أنه يمكنهم البحث عن انسحاب أكثر ليونة أو محاولة إيقاف “بريكست” بالكامل.
احتفى الكثيرون بذلك، لأن فيه استعادة بريق مجلس العموم، فكتب الصحفي إيان دونت: “الآن، في النهاية، يبدو أن هذه السلسلة السامة من الشعبوية التي يتمّ توجيهها من خلال مسؤول تنفيذي أكثر قوة قد تمّ كسرها”.
هذا هو الجزء المقلق، لأن الأمر أشبه ما يكون بصراع على قيادة السيارة، وهو ما يحدث تماماً في بريكست الآن. طوال معظم العامين الماضيين، كان المشرعون يجلسون، إلى حد كبير، في المقعد الخلفي. وبعدما طرحت الاتفاقية في البرلمان، تمكّن المشرعون من القفز إلى الأمام للتصارع مع ماي. يريد البعض وضع السيارة في الاتجاه المعاكس، والبعض الآخر يريد تغيير المسار تماماً، ويريد عدد قليل أن يتخلّص من الهاوية التي يعتقدون أن ماي تقود بريطانيا إليها.
وعلى الرغم من خلاف البرلمان مع الحكومة، فإنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو لفترة طويلة. وعلى خلاف الدستور الأمريكي الذي يتبنى الفصل الواضح بين السلطات، فإن الهيئات التشريعية والتنفيذية في بريطانيا متشابكة، فرئيس الحكومة يجلس في وسط مجلس العموم، والبلاد تقاد من الحكومة. وسواء أكان ذلك في عهد ماي، أو أي رئيس وزراء آخر، فإنه لابد للسلطتين من العمل معاً لإيجاد طريقة للخروج من هذه الفوضى.
عناية ناصر