هيستريا الحرب الأمريكية
يعتقد نصف الجنود الأمريكيين أن الولايات المتحدة سوف تتورّط قريباً في حرب كبرى، لأن القوات العسكرية الأمريكية أصبحت أكثر تسييساً وأكثر عدائيةً في السنوات الأخيرة، وهذه ليست سوى نتيجة مباشرة لحرب البروباغندا الهائلة التي أطلقتها واشنطن ضد خصميها المزعومين، روسيا والصين، كما يعلم الجنود الأمريكيون علم اليقين أن بعض الشخصيات السياسية في واشنطن لا تتوقّف عن التحريض ضد هاتين الدولتين، تماماً كما يفعل الجنرالات الأمريكيون الذين يخبرون جنودهم المنتشرون في أوروبا عن قناعتهم باقتراب ساعة الحرب.
ووفقاً للبيان الصادر عن القيادة الأوروبية للقوات الجوية الأمريكية، تلقى سرب الذخائر الـ 86 المتمركز في قاعدة “رامشتاين” الجوية أكثر من مئة حاوية تحتوي على جميع أنواع الذخيرة في تشرين الأول الماضي، وهي أكبر شحنة من الذخائر تقدمها القوات الجوية الأمريكية منذ العام 1999.
وكما جرت العادة، فإن الحجج المحتملة لاندلاع صراع بين الولايات المتحدة والصين جاهزة، وتشمل الوضع حول تايوان والصراعات الإقليمية العديدة بين بكين وحلفاء واشنطن في بحر الصين الجنوبي، وكان قائد القوات الأمريكية السابق في أوروبا، بن هودجز، قد حذّر العالم مؤخّراً أنه من المحتمل جداً أن تكون الولايات المتحدة في حالة حرب مع الصين في السنوات الخمس عشرة القادمة، بدليل قيام القوات الجوية الأمريكية بزيادة عدد الطائرات العسكرية الناشطة من 312 إلى 386 بحلول العام 2025، أي بزيادة قدرها 25% عمّا كانت عليه في نهاية الحرب الباردة، وتصميم استراتيجية جديدة لتحديث سلاح الجو الأمريكي لمواجهة القوى العسكرية الكبرى، ما يفسّر الميزانية العسكرية الضخمة التي بلغت هذا العام 716 مليار دولار.
في واقع الأمر لا تتوقّف واشنطن عن استفزازها لروسيا والصين، في إطار محاولاتها اليائسة الرامية إلى ترويع موسكو وبكين من خلال الاستعراض المستمر لقوتها العسكرية والسياسية، مع ممارسة الضغط الاقتصادي عليهما، ولكن يبدو أن واشنطن تتجاهل القدرات العسكرية والاقتصادية لروسيا والصين التي لا تزال تنافسية بقوة، وعليه تنتهج واشنطن سياسة قصيرة النظر، لأن الصين وروسيا قطعتا شوطاً طويلاً في تعزيز قدراتهما العسكرية على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة.
لقد أصبح تعزيز الترسانة العسكرية الأميركية مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي والقلق العالمي المتزايد، علماً أن مجموع قوات روسيا والصين يفوق القوة المشتركة لأوروبا والولايات المتحدة، وعليه فإن القوة المشتركة للدب الروسي والتنين الصيني تفوق القوة الأمريكية، وليس من مصلحة واشنطن إضرام نيران حرب نووية جديدة، بحسب مراقبين وخبراء عسكريين.
مؤخراً كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن تشكيل الكونغرس لجنة من الحزبين الجمهوري والديمقراطيين لتقييم استراتيجية دفاع إدارة ترامب، خلصت إلى أن الولايات المتحدة فقدت قيادتها العسكرية بطريقة خطرة، وأنها تجازف بخسارة الحرب ضد الصين أو روسيا، بالمقابل يعمل الساسة والجنرالات الأمريكيون على الدفع نحو فكرة المواجهة العسكرية الحتمية مع الصين وروسيا، وطلبوا من وسائل إعلامهم الكبرى تحضير الرأي العام الأمريكي والترويج لفكرة التهديد الذي تشكله كل من روسيا والصين لبلادهم.
هذا التصعيد الأمريكي يجب أن يوقظ المجتمع الدولي، ويدفعه للقول: “لا” بصوت عال وواضح لسباق التسلّح الذي تحاول واشنطن قيادته، لأنه لن يتسامح أحد مع أي شكل من أشكال الحرب الإجرامية، وبالتالي سيصبح العالم كومة من الرماد.
هيفاء علي