القواعد العسكرية الأجنبية في الخليج.. ابتزاز بذريعة الحماية
د. معن منيف سليمان
وضعت القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، استراتيجية استعمارية لتسويغ الوجود العسكري في منطقة الخليج العربي، من أجل الاستحواذ على أرصدة وثروات دول الخليج من النفط والغاز، ونجحت في ذلك من خلال تشييد عدد من القواعد العسكرية في هذه الدول، واستخدمت في سبيل ذلك وسائل عدّة، من بينها إثارة الهواجس الأمنية كالحروب الإقليمية المحتملة، أو إثارة النعرات الطائفية، أو ما يمكن أن يهدّد عروش ملوك وأمراء الخليج، واستطاعت اختراق الأمن القومي الخليجي لضمان السيطرة على مقدراتهم.
بعد زوال خطر الاتحاد السوفييتي السابق وجدت الولايات المتحدة في إيران عدوّاً مفترضاً لتسويغ الوجود العسكري الأجنبي في منطقة الخليج العربي، من خلال ترسيخ فكرة أن إيران “مصدر للإرهاب” وعدم الاستقرار في المنطقة، وأنها تسعى إلى تقاسم حقول النفط والغاز البحرية الكبرى مع دول الخليج وربما الاستفراد في استثمارها؛ لذلك فإن الوجود العسكري الأجنبي، وخاصة قدرات القوات البحرية والقوات الجوية الأجنبية، في العديد من دول الخليج يعدّ ردعاً حاسماً للطموحات الإيرانية المفترضة.
طبّقت الولايات المتحدة خطتها الاستعمارية على أرض الواقع، فورّطت المنطقة في حروب مفتوحة بداية من حرب الخليج الثانية بعد احتلال الرئيس صدام حسين للكويت 1991، والحروب التي تلت هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، والحرب على تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، والغزو العراقي 2003، والحرب المزعومة ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ فقد قامت الولايات المتحدة بتأسيس قواعد عسكرية لها في دول المنطقة، في محاولة لتفتيت هذه الدول وتكريس تبعيتها لها، واستنزفت أموالاً طائلة من دول الخليج العربي عبر صفقات السلاح الأمريكية لمواجهة الخطر الإيراني المزعوم، وهو ما يعدّ عملية ابتزاز واضحة لحكام الخليج لنهب ثرواتهم مقابل الحماية من هذه المخاطر كافة.
وتجلّت السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة بشكل فجّ بلغ حدّ الوقاحة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب الحكم، فقد استندت هذه السياسة إلى عقيدة رجل الصفقات الذي اعتمد على سياسة الابتزاز مقابل الحماية، مع دول الخليج العربي، مسوّغاً أن بقاء هذه الأنظمة ترجع للحماية الأميركية. وقد وجد الرئيس ترامب في الخليج العربي حكّاماً يدفعون له المليارات مقابل أوهام الدور الأمريكي الدفاعي.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر قد أرسى “عقيدة كارتر”؛ القائمة على أساس أن الولايات المتحدة سوف تعمل على ضمان النفط والغاز الطبيعي الموجود في منطقة الشرق الأوسط بأية وسيلة ممكنة بما في ذلك القوة العسكرية. حيث أمر بإنشاء فرقة العمل المشتركة للانتشار السريع، تمهيداً للقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، التي أنشئت في كانون الثاني 1983.
وهكذا باتت الولايات المتحدة ترى في دول الخليج العربي منطقة مصالح أمريكية بالدرجة الأولى؛ لذلك فإن أمن هذه المنطقة خاضع للرؤية الأمريكية، وعليه استضافت دول الخليج العربي عدداً من القواعد العسكرية الأمريكية والغربية على أراضيها.
وتؤكّد تقارير صحفية أن الولايات المتحدة تضمن عبر هذه القواعد تحقيق عدة أهداف يأتي في مقدمتها الحفاظ على أمن واستقرار “إسرائيل” من أية محاولة اعتداء خارجية، ودعم الحكومات الموالية للولايات المتحدة، والدفاع عنها عسكرياً ضد أي تهديد من قبل أية دولة تعارض الوجود الأمريكي في المنطقة، ودعم الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وحمايتها من أية محاولة للإطاحة بها.
وفضلاً عن ذلك، تأمين طرق عبور مصادر الطاقة من المنطقة لمختلف دول العالم، وهو ما يتطلب الحفاظ على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج، وبالتالي ضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحاً لتدفق النفط، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى مراقبة أنشطة إيران العسكرية والنووية، ومحاولة ردع أي تهديد إيراني لدول الخليج سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الحركات الموالية لطهران في المنطقة، والحديث هنا عن وجود نحو 125 ألف جندي أمريكي على مقربة من إيران، بينهم نحو 20 ألفاً موزعين على السفن البحرية الأمريكية في المنطقة.
وفي المقابل، ترى دول الخليج العربي في القواعد العسكرية الأجنبية أن هذه القواعد تكسبها تفوقاً على جيرانها، ومن هذا المنطلق سعت الإمارات من أجل إقناع الولايات المتحدة بنقل قاعدة “العديد” من قطر إلى الإمارات، أو تفكيك القاعدة وتوزيعها على عدد من دول الخليج بدلاً من قطر وحدها!
وتضم دويلة قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج، وهي قاعدة “العديد”، فيما يتمركز الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين.
ويوجد في الإمارات أكبر عدد من القواعد لدول مختلفة، حيث يوجد بها قواعد لأمريكا وفرنسا وأستراليا، في حين تضم قطر القاعدة التركية الوحيدة في الخليج العربي.
وفيما أنهت السعودية وجود القواعد العسكرية على أراضيها عام 2003، وإن بقي عدد محدود من الجنود في إطار مهام التدريب والتعاون العسكري بين البلدين.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية في شهر تشرين الثاني عام 2017، فإن عدد الجنود الأمريكيين والمدنيين العاملين لمصلحة الدفاع الأمريكية في الكويت: 16.592، والإمارات: 4.240، والبحرين: 9.335، والسعودية: 850، وعُمان: 32، فيما أعلنت قطر أنها تستضيف أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي. ويأتي انتشار هذه القوات وتلك القواعد بموجب اتفاقيات دفاعية، ومنذ حرب الخليج الثانية 1990 ازداد الوجود العسكري الأمريكي فيه، وأصبح أكثر عدداً وأوسع انتشاراً بعد أحداث 11 أيلول 2001 ثم الحرب على العراق 2003.
إن استضافة دول الخليج العربي للقواعد الأجنبية وخاصة الأمريكية على أراضيها جاء نتيجة إيمان حكامها بمبدأ عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، والحاجة الماسة لحماية دولهم من أطماع جيرانهم، وهو بالوقت نفسه ابتزاز من قبل أمريكا والغرب لنهب ثروات العرب، وضمان للسيادة الأمريكية على دول المنطقة.