وزارة.. ورتوش الشعارات؟!
يغامر البعض بالرهان على أداء الإدارات في المؤسسات والشركات الصناعية لتحقيق قفزة نوعية، والنهوض بواقع هذه المؤسسات التي أشبعت على مدار السنوات الماضية بالخطط الصناعية المكررة، وللأسف بقيت حبراً على ورق، وطبعاً ليس المقصود هنا إلغاء دور الإدارات، أو تهميش أهميتها في إحداث ذلك التغيير الجوهري المأمول في المستقبل الصناعي، بل الإشارة إلى أن عجز غالبيتها ناتج عن ضبابية الاستراتيجية الموضوعة داخل القطاع الصناعي، وتأرجح عملها بين التشاركية والاستثمار، وغيرها من الأفكار التي لم تثبت حتى هذه اللحظة أية عائدية حقيقية، أو أي تغيير فعلي في حالة الشركات العامة الصناعية.
ومن جهة أخرى تفرض الموضوعية عدم تجاهل الأضرار الكبيرة التي سببتها الحرب، وتعرّض كافة الشركات للاعتداءات الإرهابية بشكل أدى إلى تدمير وتخريب شامل للقطاع الصناعي، إضافة إلى وقائع أخرى لابد من الأخذ بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان قطاع النسيج ثاني أهم مصادر الدخل بالنسبة للاقتصاد، حيث كان يسهم قبل عام 2011 بنحو 12% من الناتج المحلي الصافي، وحوالي 63% من إجمالي إنتاج القطاع الصناعي، كما كانت تعمل فيه نسبة 20% من اليد العاملة، ويصدر ما قيمته 3.3 مليار دولار من المنتجات النسيجية ما بين غزل ونسيج وملبوسات إلى دول العالم، لكن الظروف الصعبة التي مر بها البلد على امتداد سنوات الحرب، والتي خلقت بدورها واقعاً قاسياً على الصناعات بشكل عام، أدت إلى خروج 70% من الشركات خارج نطاق الخدمة، وكذلك فإن المعامل التي بقيت تعمل تنتج اليوم أقل من ربع طاقتها الإنتاجية بسبب تراجع محصول القطن منذ السنة الأولى من عمر الأزمة، وانتهاء بوصولنا اليوم لعدم القدرة على زراعة القطن في المناطق الشرقية، وبالتالي عدم توفر المادة الأولية لهذه الصناعة، إلى جانب عدم توفر التيار الكهربائي بالشكل المطلوب الذي له التأثير الأكبر على انخفاض إنتاجية المصانع التي تأثرت بشدة نتيجة قلة اليد العاملة.
وما بين التبرير والانتقاد تكمن تلك التساؤلات التي تضرب بشدة على وتر التصريحات المتتالية الصادرة من أكثر من اجتماع صناعي، وبشكل يثقل كاهل وزارة الصناعة التي لم تنفذ رؤاها وأفكارها بعد إلى ساحة الواقع، وإذا كانت الأنظار اليوم ترنو إلى التغيير المرتقب من الإدارة الجديدة للدفة الصناعية ممثّلة بخطة عمل وزير الصناعة، إلا أنه في الوقت ذاته هناك الكثير من المخاوف من تكرار السيناريو الصناعي مع بعض الرتوش على الشعارات: (سنسعى للإنجاز الميداني وليس الورقي)، فقط دون الولوج إلى عمق التحديات والواقع المأزوم الذي يفرض التساؤل عن الخطوات التي تمت لإعداد ملفات الفرص الاستثمارية ذات الأولوية للمشاريع الصناعية الضرورية التي تتطلبها عملية إعادة البناء والإعمار، مع التركيز على هدف استعادة رؤوس الأموال، والمنشآت، والخبرات السورية التي نزحت بفعل الأزمة، إلى جانب دراسات حول مستقبل العديد من الشركات لجهة البقاء في ساحة العمل والإنتاج، أو الإقصاء وتغيير النشاط، وهنا لابد من التأكيد بأن فاتورة التغيير ستكون أوفر من فاتورة الترقيع والإصلاح التي اتبعت في الماضي لأسباب عديدة.
إن وزارة الصناعة اليوم على المحك، وفي امتحان صعب، ولذلك عليها إما إثبات نفسها والبقاء، أو إحالتها إلى التقاعد واستبدالها بهيئات أخرى قد تكون أكثر فاعلية منها، ولا شك أن الرهان على الأشخاص هو رهان خاسر بكل المقاييس، خاصة في غياب البوصلة الصناعية، والاعتماد على أفكار مجتزأة، وخطط مطاطية تتوازى بعائديتها الاقتصادية مع الورش الصغيرة.
بشير فرزان