رغم أن “القانون التجاري” أجاز صيغاً قانونية للتمويل.. التريث لا يزال العنوان الأبرز ..!
لا يزال الاقتصادي الوطني يعاني من مخرجات سنوات الأزمة وما قبلها، والتي أدت إلى ظهور مخاوف أعاقت عمليات الإقراض على الرغم من تغير المعطيات والواقع، وظهور الحاجة الفعلية للتفكير الاستراتيجي الذي يجب أن يتبناه جميع القائمين عليه لحلحلة إشكاليات التمويل، ولاسيما أن القرارات السابقة أدت إلى تكدس الأموال في المصارف العامة، لتنوء الأخيرة تحت وطأة الأعباء المالية للمدخرات وارتفاع نسب سيولتها، ما اضطرها إلى تفعيل قرارات بخفض سقوف الإيداع في الفترة التي نحتاج فيها لاستثمار كل ليرة سورية لإعادة الإعمار.
وفي المقلب الآخر تعلو صرخة الكثير من المنشآت القائمة المتنوعة الإنتاج والاختصاص، والتي تستغيث قرار تمويل لإنعاشها وإعادتها إلى دائرة الإنتاج، ولكن عجز المعنيين بالسياسة المالية عن إيجاد حلقة الوصل بين قطبي الاستثمار زاد من وجع المشهد الاقتصادي، وما تحفيز المصارف على الإقراض سوى مشهد عبثي يراد منه تقاذف المسؤوليات، ولاسيما بأن العقدة والحل تبدأ من قرارات مجلس النقد والتسليف التي قيدت المصارف وعملها ضمن دائرة الأمان – وما يزال يعتمدها بذريعة التريث لاستقراء مستقبل السوق غير عابئ بمتطلبات المرحلة الراهنة-، فكيف الحال بالملفات الشائكة، والتي تحتاج إلى قرارات جريئة وحكيمة توجه البوصلة بالاتجاه الصحيح؟؟.
خطوة مؤجلة
قد تتطلب بعض المشاريع المتعثرة والتي تمتلك صفة الأولوية من منظور الحكومة إلى دراسة معقمة ولجان مختصة تستطلع واقعها وتدرس مشكلاتها، ومنها التوصل إلى آليات اتفاق جديدة تستطيع من خلالها المصارف منحها التمويل، فما الذي يؤجل اتخاذ هذه الخطوة، وهل تبقى هذه المشاريع في دائرة البحث عن شريك بينما الشريك موجود وقادر على التمويل، ولكن المخاوف السابقة تكبله عن المبادرة؟!.
محاولة
حاولت هيئة الاستثمار السورية العمل على هذا المسار انطلاقاً من مهام الهيئة برعاية المشاريع الجديدة منذ لحظة تشميل المشروع حتى دخوله دائرة الإنتاج، إضافة إلى مهامها في رعاية المشاريع المتعثرة خلال سنوات الأزمة، وأطلقت خدمة البحث عن شريك بغية تذليل الصعوبات التي تعيقها عن العودة إلى الإنتاج، حاولت التوصل ضمن عدد من الاجتماعات مع المعنيين في المصارف العامة لإيجاد صيغ التعاون للتمويل المشترك بين المشاريع والمصارف، وقد أكدت المصادر أن مدراء التسليف أبدوا تعاونهم، إلا أن مدراء المصارف قيدهم الخوف، ولاسيما أن نتيجة عمل لجنة رئاسة مجلس الوزراء المكلفة بملف القروض المتعثرة طالت بمحاسبتها أشخاص ليس لهم علاقة بهذا الملف، الأمر الذي زاد جرعة الخوف لدى القائمين على المصرف، بالإضافة إلى رفض المصرف المركزي حضور ممثليه لأي اجتماع ضمن هذا السياق، ليساهم مجدداً في عرقلة الحلول، وبيّنت مصادر الهيئة أن الغاية من عقد الاجتماعات هو تشكيل لجان فنية مختصة تطّلع على واقع هذه المشاريع، وتقديم مشورة فنية تبيّن القيمة المضافة من إعادة تشغيلها وإمكانية تمويلها، وبالتالي يقوم المستثمر أو صاحب المنشأة بتقديم دراسة جدوى اقتصادية تمكنه الحصول على التمويل وفقها ووفق رؤية اللجنة المفترضة والتي يتوجب تشكليها من عدة جهات رسمية، وقد سربت المصادر معلومات تفيد باستعداد المصرف التجاري للتمويل وفق هذه الرؤية، في حين تبقى المصارف الأخرى بحاجة إلى تفعيل صيغ التمويل المشترك، التي تمكنها من المساهمة في تمويل المشاريع الكبيرة من جهة وتتيح الفرصة للمصارف التي لا تملك شقاً استثمارياً كمصرف التسليف الشعبي باستثمار أمواله ضمنها من جهة ثانية.
سياسة تريثية
ولكن في ظل اعتماد مدراء المصارف العامة الجدد منهجية إيصاد الأبواب في وجه الإعلاميين، والامتناع عن التصريح منذ توليهم مناصبهم تحت ذريعة انشغالهم بالعمل الجاد بغية الوصول إلى قرارات صائبة، حاولنا استطلاع آراء خبراء الاقتصاد لمعرفة مدى القدرة على تطبيق آليات هادفة لمعالجة الواقع والخروج من عنق الزجاجة، إلا أن معظم الخبراء ردوا سبب الجمود الحاصل في القنوات التسليفية للسياسة المالية المتبعة من قبل مجلس النقد والتسليف التي قيدت المصارف بإجراءات صارمة وعلى الرغم من كثرة الوعود بتقديم تسهيلات لقروض صناعية واستثمارية، إلا أن الواقع مازال على حاله وفق حديث الدكتورة نسرين زريق، إذ أكدت أن السياسة المالية هي سياسة تريثية تعتمد التأجيل والتريث لاستقرار السوق، ولعل خير دليل نسوقه على هذه السياسة رفض المصرف المركزي لطلب المصرف العقاري بزيادة رأس المال الثابت بحسب زريق، والذي يتيح للمصرف رفع قدرة مساهمته باستثمار أمواله بموجب القروض الاستثمارية، لتختم حديثها بأنه حان الوقت لتأسيس خطة لإعادة إعمار الاقتصاد أسوة بإعادة إعمار البنى التحتية والطرقات.
العديد منها
بالمحصلة نستطيع القول: إن الحلول موجودة ولدينا العديد من صيغ التمويل القابلة للتطبيق، ولاسيما تم تطبيقها في الفترة السابقة للأزمة، يمكن أن تكون صيغ فردية أو مشتركة، والقانون التجاري السوري أجازها ضمن صيغ قانونية محكمة، على أن تتم الاستعانة بلجان فنية معتمدة تعطي الرأي السديد لرسم سياسات مالية قادرة على النهوض بالواقع الاقتصادي ضمن زمن قياسي.
فاتن شنان