اعترافات زوجية
سلوى عباس
في لحظة من عمر الزمن.. نرى الحياة وقد أخذتنا في مساربها.. ونرى اللحظات قد امتدت واتسعت لتصبح زمناً مديداً، أيامنا متشابهة يتقاذفها الروتين وتثاقل الوقت وعبء الحياة، هذا ما أراد قوله العرض المسرحي “اعترافات زوجية” للفرنسي «إريك إيمانويل شميت” بتوقيع المخرج مأمون الخطيب، الذي قدم على مسرح القباني، حيث اندمجت المنصة مع الصالة، لنكون جميعاً أبطال العمل الذي يحكي تفاصيل حياة كل واحد منا، ويتحدث بلساننا، وكأن وجودنا في الصالة لنتفرج على أحلامنا وخيباتنا بأداء ممثلين أسعفهم القدر بموهبة القدرة على تجسيد حالات كثيرة في الحياة من خلال مهنة التمثيل، وهذا ما يختلفون به عنا بقدرتهم على إخراج الألم والتعب الذي يعيشونه والتعبير عنه..
عمل المخرج على مسرحة الواقع، ليحمل العمل الكثير من الصدقية والشفافية وليضعنا جميعاً في مواجهة أنفسنا، نبحث عن أجوبة لأسئلة أرهقت أرواحنا ورمتنا خلف عتبة الحياة، إذ عمل على نبش الذاكرة.. ذاكرة المؤسسة الزوجية لنقف أمام لحظة نعيشها جميعاً، لكنها تبدو أكثر تجلياً وحضوراً في ثنائية المرأة والرجل، هذه الثنائية التي تتحدث عنا كأشخاص منفردين ومن ثم عندما تجتمع الطباع، تجتمع معها التناقضات والمفارقات جميعها وتنتج حالات مشابهة لها. يناقش العرض فكرة الحب التي تبدأ بهالة كبيرة من الألق، ثم سرعان ما تخبو مع مرور الزمن، إذ يضيع هذا الحب في تفاصيل الحياة، وما يبقى فقط هو الذكريات والبحث الدائم عن استمرارية هذا الحب، أو وجوده في محاولة لاسترجاع الماضي النابض بعبق الحنين والحب، ورغبة في أن يكون هذا الماضي ممتداً للحاضر، والسؤال الذي يلح على الذات.. هل الزواج هو الذي يصيب العواطف بالملل، ويُبقي المشاعر ذكرى يستعيدها الزوجان في لحظة ضيق؟ فالزوج جمال الساحلي “مالك محمد” الذي كان يهرب من هذا الواقع، ومن ماضيه وحاضره إلى كتبه ونسائه اللواتي يستعيض بهن عن حبه الضائع، نراه موزعاً بين قلقه وشغفه الحياتي، بينما الزوجة لينا “رنا جمول” تندب أنوثتها، تحاول الصراخ فتختنق بجراحها، وتبقى الدمعة غصة في حلقها.. وعندما يلتقي الزوجان في لحظة مكاشفة يتعريان خلالها من كل ما قد يغيّب الحقيقة التي أوصلتهما إلى هذه الحالة، وهذا ما يظهره فقدان الذاكرة الذي تعرض له الزوج والذي حاول توظيفه في محاججته لزوجته التي حاولت أيضاً استغلال ظرفه الصحي وإقناعه بحبها له، وتحقيق حالة من التوازن في علاقتهما المستقبلية وتجاوز الماضي الذي تختبئ وراءه كل المنغصات التي يعيشانها.. وتنتهي هذه المكاشفة بأن الزوجين يعيشان حالة من الكذب في محاولة كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره لتنهي مكاشفتهما إلى أن ما عاشاه من صراعات ماضية كان مجرد حالة تعب.. فهل الحال هكذا، أم أن الحياة قائمة على التناقض والتضاد؟!.
لقد أكد المخرج مأمون بحرفيته الإخراجية لهذا العمل مقولته بأن “سمات العمل الناجح تكمن في الفكرة المهمة التي تمسّ الجمهور وتتحدّث عنه وعن آلامه وأوجاعه، في زمن الحرب خصوصاً، وأن المسرح هو مرآة المجتمع ومرآة الروح لمن يعمل به”، والأجمل في هذا العرض هو البطولة الجماعية لعناصره كلها بدءاً من الإخراج والدراماتورج للمخرجة آنا عكاش التي نجحت بامتياز في تحويل النص إلى عمل محلي يتحدث عن قضايانا، مروراً بالممثلين “رنا جمول” التي تثبت عملاً إثر آخر نضجها الفني وامتلاكها لأدواتها المسرحية بما يحاكي تجارب كبار الممثلين العرب والعالميين، و”مالك محمد” الذي امتلك أيضاً إمكانيات مسرحية وحضوراً فنياً هاماً رغم قلة حضوره المسرحي، وصولاً لموسيقا “إياد جناوي” المتناغمة مع سينوغرافيا “نزار بلال وريم الشمالي”، وإضاءة “ريم محمد”، لتكون النتيجة عرضاً مسرحياً مشغولاً بكثير من الشغف والحب.