بعد الانتهاء من تصوير فيلمه “ثمان وثمانون خطوة” أوس محمد: هناك غياب حقيقي للنص السينمائي
سبق للمخرج أوس محمد أن أخرج عدة أفلام وكتب عدة سيناريوهات وحصل فيلمه الأول “معلولا قصة الحجر الحي” على جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان بيروت السينمائي، في حين حصل فيلمه “يوم من 356 يوم” على جائزة لجنة التحكيم في الدورة الأخيرة من مهرجان الأفلام القصيرة الذي تقيمه عادةً المؤسسة العامة للسينما، ليكون فيلمه الروائي القصير “ثمان وثمانون خطوة” الذي انتهى مؤخراً من تصويره عن نص كتبه هو ثالث تعاون له مع المؤسسة، مبيناً أن كل ما قام به بعد دراسته الأكاديمية عزز خبرته العملية لأن الخبرة هي التي تشحذ الأدوات وتصقل الاتجاه، وحول تجربته كان هذا الحوار.
حالة خاصة
حصول فيلمك “يوم من 356 يوم” على جائزة لا بدّ وأنه وضعك أمام العديد من التحديات وأنت تستعد لتقديم فيلمك “ثمان وثمانون خطوة” فما أبرز هذه التحديات؟
بالنسبة لي كل فيلم حالة خاصة مستقلة، لها شروطها وتحدياتها، وحصولي على الجائزة في السنة الماضية لا يغير من تناولي للفيلم، فالجائزة رغم أهميتها ليست أولوية كما هي عند بعض المخرجين الشباب، إنما الأولوية هي للشغف السينمائي وجودة الطرح والمعالجة والسعي لتقديم أفضل صورة وأعمق إحساس .
وهي أولوياتك العامة كمخرج تحرص على تقديم فيلم تكون راضياً عنه؟ وأية أولويات كانت لديك في “ثمان وثمانون خطوة”؟
الواقعية والمنطقية وذكاء الطرح.. هذا ما حاولتُ تقديمه في الفيلم، وأعتقد أنه من المهم جداً أن نحترم عقول مشاهدينا وتضحيات من عاش الحرب على سورية، في أن نقدم لهم معالجة ذكية تبتعد عن الشعارات الرنانة والأحداث الخيالية غير المنطقية.
الأبطال المجهولون
تدور أفلامك في رحى الحرب، فأيّ هاجس لديك على هذا الصعيد؟ وبرأيك كيف يجب أن يتعامل المخرج اليوم مع موضوعة الحرب؟
الحرب لم تنتهِ بعد ومازالت آثارها في كل بيت سوري، وقد أثرّت بي شخصياً، وأنا أحاول تفسير ما حدث وإيجاد منطقية أو تبرير لما جرى، وفي شقٍّ ثانٍ هناك آلاف الأبطال المجهولين الذين ظلمتهم هذه الحرب ولم تروِ قصصهم، لذلك فإن تقديمي مواضيع عن الحرب محاولة لتسليط الضوء على هؤلاء الأبطال المجهولين، فكان فيلم “ثمان وثمانون خطوة” محاولة لملامسة أرواح من ظُلِموا ووعدٌ لهم بأنهم في قلوبنا وضمائرنا أحياء كذكراهم.
الفيلم الروائي القصير هل هو خيار حقيقي يغريك وفيه ما يلبي حاجاتك الفنية كمخرج؟ أم أنه مجرد محطة مضطر للتوقف عندها باتجاه الفيلم الروائي الطويل؟ وكيف تجد واقع هذا الفيلم اليوم؟
السينما بكل تنوعها وتسمياتها واتجاهاتها ومذاهبها تغريني، فلا فرق عندي بين فيلم قصير أو طويل إلا بالمضمون، مع أنني لا أستطيع الحكم على الأفلام الروائية القصيرة عندنا، ولو أن معظم هذه التجارب خجولة الطرح أو يفتقد مخرجوها للخبرة, ويقع معظم مخرجيها في فخ الاستعراض فيتناسون القصة والحبكة المُحكَمة والموضوع، حيث أن المشكلة الأساس تكمن عادة في النصوص لأن هناك غياباً حقيقياً للكاتب السينمائي المحترف، لذلك علينا أولاً أن نعالج مشكلة النص السينمائي في سبيل تطوير السينما.
مشكلة نص
أية أسباب تجعلك تكتب سيناريوهات أفلامك؟
لدينا مشكلة سيناريو سينمائي في سورية، وأغلب من يطلقون على أنفسهم لقب كاتب سيناريو لا يدركون الفرق بين النص الأدبي والسيناريو, فالسيناريو ليس عملاً أدبياً أو شعراً أو رواية، والموهبة في الكتابة السينمائية هي نصف الأمر لأن الكتابة السينمائية عملية مضبوطة وتخضع لمعايير وأدوات خاصة بالسينما، والفرق بين الأكاديمي وغيره هو معرفته بأدوات ومفاتيح الكتابة.
كيف ترى واقع السينما السورية اليوم وقد أنجزت ما أنجزت خلال الحرب؟ وما هو المطلوب منها في قادمات الأيام؟
السينما السورية تنتعش بعد ركود، فحصول الأفلام السورية الطويلة أو القصيرة على جوائز عالمية أمر يدعو للفخر، وأنا متفائل جداً خلال عدة سنوات بسينما سورية ذات هوية خاصة، وأحب أن أنوه إلى أن الجهة الأكثر إنتاجاً هي المؤسسة العامة للسينما، ودونها لم نكن لنرى أفلاماً سورية قصيرة بالكمِّ أو النوع ولا طويلة أيضاً، ولكانت السينما السورية عبارة عن أفلام هواة رديئة الصنع بفلمين أو ثلاثة كل بضع سنوات، علماً بأن إنتاجاً مستقلاً وقليل الكمّ لا يؤسس لما يسمى هوية سينمائية سورية، فالمؤسسة هي الراعي الأكبر للسينما في سورية والجهة الأكثر إنتاجاً ودعماً للسينما ولشباب السينما، بالإضافة إلى ذلك فإن المؤسسة بإدارة شابة تسعى ضمن خطة مدروسة لتطوير السينما، ومدير المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين أكاديمي وحاصل على شهادة في الإنتاج السينمائي من دولة التشيك وأشكره على المساندة التي قدمها في فيلم “ثمان وثمانون خطوة” وإتاحة الفرصة للشباب في تقديم طروحاتهم ومشاريعهم السينمائية، لذلك أعتقد أن المستقبل واعد أمام السينما السورية.
أبرز ارتدادت الحرب على السينما السورية برأيك؟
كانت الأزمة حاضرة دائماً في السينما السورية وستبقى حاضرة لفترة، والآن هي في مرحلة استيعاب الأزمة، ولاحقاً وبعد انتهاء الأزمة ستكون مرحلة المعالجة كما في سينما الحرب العالمية الثانية وسينما حرب فيتنام، فأروع التحف السينمائية ظهرت بعد الحرب، وهنا أريد أن أنوه إلى أن محاولة معالجة الأزمة بشكل كامل في فيلم سينمائي أمر غير مجدٍ لا على الصعيد السينمائي ولا على صعيد معالجة الحرب، فليس هناك فيلم يعالج الحرب بل يعالج حالة أو حالات محددة ضمن الحرب.
انتقدتَ مخرجي هذه الأيام من خلال ما كتبته على صفحتك الشخصية تحت عنوان “كيف تصبح مخرجاً في ثلاثة أيام” فما الذي دعاك إلى كتابة ذلك؟ وأية ظواهر أفرزتها تقنيات العصر التي سهلت دخول من يريد لعالم السينما؟
الأمر مضحك ومثير للسخرية حقاً، ففي البداية أصبح كل من أمسك كاميرا وجمع عدة لقطات مخرجاً سينمائياً فذاً، وكل من شاهد عدة أفلام أصبح ناقداً، ومنهم من خضع لدورة عدة أشهر وعاد ليصبح تارنتينو عصره ونتاجهم الفني مخجل، وغيرهم ممن يستغل رغبة الشباب بتعلم السينما فيخدعهم بدورات مزيفة لا تقدم شيئاً أو يبيعهم شهادات غريبة غير معروف مصدرها، وفي إحدى المرات قرأتُ أن أحدهم حصل على شهادة اسمها مستشار سينمائي، وسمعت أنها تصل للألف دولار وأنا كأكاديمي لم أسمع أبداً بتعبير مستشار سينمائي، فمن هؤلاء؟ وماذا يفعلون؟ ولماذا يخدعون الشباب؟ للأسف أصبح التعدي على الإخراج السينمائي مهنة للبعض غير مبالين بالمنهاج الأكاديمي أو الخبرة، وهذا شيء مخجل.
ماجديدك بعد “ثمان وثمانون خطوة”؟
انتهيت من تصوير فيلم “ثمان وثمانون خطوة” وقريباً ستبدأ العمليات الفنية، ولديّ العديد من المشاريع سأفصح عنها لاحقاً. يشارك في بطولة فيلم “ثمان وثمانون خطوة” الفنانون: ميلاد يوسف، حمادة سليم، علي صطوف، فؤاد علي، عمار علي، علي عهد إبراهيم، ربيع عبد السلام، علاء الشيخ، موريس فياض، باسل دكاك، محمد مسالمة، منيب اربيل، حسين حمود، يزن عفيف.. وغيرهم.
بطاقة تعريف
المخرج أوس محمد حاصــل على دبلوم في الفنون “اختصــاص إخراج” من جامعـــة خاركــوف الحكوميــة لفنون السينمــا والتلفزيـون، يعمل حالياً أستاذ محاضر في دبلوم الفنون السينمائية وعلومها التابع للمؤسسة العامة للسينما، مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية– قسم السينوغرافيــا- قسم التقنيات المسرحية وقسم النقد، كما يعمل على كتابة منهاج متكامل عن أساسيات الفن السابع ليكون مرجعية للباحث والطالب.
أمينة عباس