الأيام السورية التشكيلية في مكتبة الأسد
للحياة عدة مرايا ولعل مرآتها الصافية هي الفن، ولاسيما الفن التشكيلي الذي بدأ يخطو نحو تعزيز حضوره الفاعل في المجتمع السوري، وقد بدأت في الأمس ضمن فعاليات أيام تشكيلية سورية أولى الندوات الموازية للمعارض التشكيلية والتي شهدت حضوراً لافتاً وجميلاً من فئة الشباب، يوازيه غياب واضح للفنانين التشكيليين ولاتحادهم عنها، مما أثار تساؤلاً مشروعاً وهم المعنيون أولاً بهذه الأنشطة والفعاليات، وقد أكد معاون وزير الثقافة علي المبيض على ضرورة أن يكون هناك إرادة وتعامل إيجابي واهتمام بالفن التشكيلي، فهي مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف وهو حاجة ملحة وليس ترف ورفاهية.
حوار تشكيلي
هذه الندوات التي تستمر على مدار ثلاثة أيام يديرها الفنان أكسم طلاع الذي أكد أن المطلوب إقامة حوار ثقافي تشكيلي نقدي بين الفنانين أولاً وبين الفنان والمثقف من جهة ومع المؤسسة الثقافية من جهة أخرى، لافتاً إلى أن المأمول منها هو تفعيل الحوار الموازي لمشاغل اللوحة من إنتاج وعرض وتطوير وتسويق والذي يثري المشهد التشكيلي، وهذه الصبغة من الحوارات هي للانتقال من حالات الخصومة والشللية إلى حالة الثقافة المنتجة المعززة للإبداع والوطنية، كما عرض الناقد سعد القاسم صور لوحات مقدماً سرداً زمنياً للتشكيل السوري معتبراً أن اللوحة التشكيلية بدأت مع تجربة توفيق طارق في بداية القرن، ثم ذكر مجموعة من الرواد في الفن التشكيلي مثل عبد الوهاب أبو السعود، سعيد تحسين،ميشيل كرشة، نعيم وأدهم إسماعيل، وصولاً إلى مرحلة الستينيات حيث بداية تشكل تيار الحداثة في التشكيل السوري على يد الرائد فاتح المدرس، ثم استطلع القاسم تجربة نذير نبعة ومروان قصاب باشي ومحمود حماد وغيرهم، ولفت في إضاءة سريعة على النحت إلى أن فتحي محمد هو رائد النحت في سورية، أما رائد الحفر فهو الفنان غياث الأخرس الذي أسس لقسم الحفر في سورية، منوهاً إلى أن الريادة الفنية مستويان الأول هو المستوى الزمني الذي يرتبط بأوائل الناس الذين بدأوا بالعمل والثاني هو الإبداعي الذي خلق مفاهيم جديدة طورت الفن، ورأى القاسم بأن الفنون التشكيلية السورية انقطعت عن تاريخها لعقود طويلة، وما الحاضر التشكيلي إلا سعي لوصل ما انقطع.
الفن في سورية
بينما أثار الفنان والناقد طلال معلا مجموعة من النقاط والتساؤلات وكذلك الإجابات، معتبراً أن الفن يعبر دائماً عن عالمين هما العالم الخارجي الذي يحاول بعض الفنانين تصويره والعالم الذاتي الذي يعبر عنه لخلق توازنات، وذهب في حديثه إلى جوانب فلسفية أكثر من التوصيف،لافتاً إلى أن تاريخ الفن هو تاريخ ممتد في القدم لذلك كان على الفنان السوري أن يحرق مجموعة مراحل ليقدم تصورات معاصرة،. وفيما يخص الفن في سورية أوضح معلا أن الفن الذي نراه الآن هو ما استطاع الفنانون تقديمه حسب الإمكانيات، مشيراً إلى أهمية التكريم والرعاية للمعارض السنوية على أعلى مستوى لما له من دلالة نفسية وخلق ثقة بين الفنان والفن والمؤسسات، وتطرق إلى مجموعة نقاط هي أن اللوحة الحروفية مثار جدل، وأننا نرسم من أجل إثارة مشاعر الآخرين، لأن الفن قيمة تواصل بين صاحب الموهبة والمجتمع، وإعطاء الشباب إمكانية التواجد في النشاطات الفنية، وعدم تغييب جوائز وانجازات الرواد عن ذاكرة الثقافة السورية، ومعرفة كل مفاصل الحركة التشكيلية السورية لنستطيع تحديد ملامح المستقبل، ورأى أن المعارض القائمة في سورية تشير إلى أننا متخلفون زمنياً ليس من حيث قيمة وجودة اللوحة بل على مستوى إنساني لأنه يجب استخدام الأدوات المتغيرة، مشيراً إلى غياب النقد الجاد، وعدم الإيمان بالتجربة النقدية، مؤكداً أن أحد أشكال أزمة الفن التشكيلي السوري هو سيطرة الموظفين والأكاديميين على مصير وشكل الفن التشكيلي، منوهاً إلى قلة المنشورات عنه، والتزام المؤسسات بتقديم نوع واحد من أشكال الفن مما يكرس الأمية البصرية لدى المجتمع، وتكريس بعض المفاهيم لتبقى كما هي، وغياب متاحف الفن الحديث والمعاصر، وأن واقع السوق الفنية هو مادون الصفر، وعدم وجود معايير لقيمة اللوحة، خاتماً بالقول أن مرحلة الأمان هي ليست مرحلة محاسبة للفنانين الذين عاشوا داخل سورية وقدموا الفن في مرحلة الحرب.
لوردا فوزي