كهرباء دون تيار!
يبدو أننا بالغنا في تفاؤلنا حول الواقع الكهربائي الذي شهد تحسناً خلال الأشهر الماضية، حيث يمكن اعتبار الأسابيع الفائتة بمثابة امتحان حقيقي للتصريحات الناحتة في يوميات الناس بعشرات الوعود التي طمأنت الجميع باستقرار واستمرارية التيار الكهربائي، خاصة بعد توفر مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل المحطات، وتأمين خطوط إمدادها بشكل كامل، هذا عدا عن مليارات الليرات المصروفة على الشبكات، والمحولات، وغيرها من التجهيزات الكفيلة بحفظ ماء وجه وزارة الكهرباء ومديرياتها التي لم تتوان عن التأكيد مراراً وتكراراً على جاهزية طواقمها، واستبدالها 90% من شبكاتها بشكل يقلل نسبة الهدر، والأعطال، ويوفر الكهرباء لساعات طويلة دون أية انقطاعات.
طبعاً فترة الانقطاعات الكهربائية الطويلة التي تخطت ساعات التقنين التي أعلنتها مديرية كهرباء ريف دمشق هذا الشتاء، “لن تكون أكثر من ثلاث ساعات في القطعة الواحدة”، بذريعة الاستجرار والأحمال الكبيرة، تثير أولاً الكثير من الإشارات الاستفهامية حول ما قيل عن الاستعدادات والإجراءات المتخذة، وتنبىء ثانياً بموسم كهربائي غير مبشر على الإطلاق، وبتقنين كيفي، خاصة أننا في بداية الشتاء، ولم نشهد بعد أية ظواهر جوية قادرة على تغييب التيار الكهربائي، وزيادة الحمولات على الشبكات التي فقدت التيار لفترات غير منتظمة، وبالرغم من حالة الانزعاج العامة التي أحدثتها هذه الانقطاعات، إلا أنها لم تغير أو تبدل من احترام الناس وتقديرهم لجهود جميع العاملين في القطاع الكهربائي، وتضحياتهم في خدمة البلد، وتأمين التيار الكهربائي في أخطر الظروف.
ولا شك أن سوء الواقع الكهربائي الحالي أعادنا إلى المشهد ذاته قبل سنوات، فمسلسل الوعود والتصريحات والبيانات الوزارية المتناقضة مع الواقع الفعلي يشكّل اليوم حالة استفزازية للشارع السوري، خاصة عندما تستجلب وزارة الكهرباء حملات ترشيد الطاقة الكهربائية، وتقدمها على أنها الحل السحري للقضاء على ظاهرة الاستجرار غير المشروع للطاقة، كونها تهدد المنظومة الكهربائية ووثوقيتها، وتستنزف المال العام كما صرحت.
طبعاً لسنا ضد الترشيد الطاقي، بل هو مطلب الجميع، ولكن ما يعكّر صفو هذا التوجه تلك المحاولات العاملة على تحميل المشتركين مسؤولية الواقع الكهربائي بالكامل، دون الأخذ بتقصير الجهات المعنية على أكثر من صعيد، حيث يبقى السؤال عن سبب تجاهل دلائل الإدانة بالتقصير التي تحاصر عمل مفاصل المؤسسات الكهربائية وكوادرها مشروعاً؟!.
وبصراحة، لقد استوعب الناس وحفظوا عن ظهر قلب أرقام الدعم الكبير المقدم، فما الفائدة من تكرار هذا الكلام الذي يزيد من الخيبة الشعبية، ومن الضروري اليوم إعادة النظر في قيمة الفواتير الكهربائية كحل من حلول تحسين الواقع المعيشي، خاصة مع الاتهامات المباشرة بأن أرقامها خيالية وغير واقعية نظراً لعدم قيام الكثير من المؤشرين بدورهم، والاعتماد على الحسابات التقديرية التي تقود الجميع إلى استخدام أساليب ملتوية لتأمين هذه الخدمة الضرورية للتخفيف من الأعباء المالية، وما أكثرها في هذه الأيام، وبكل تأكيد لن نستبق الأمور، ونحكم بشكل سلبي على الأيام الكهربائية القادمة، وسنتجاهل تلك المقولة الشعبية: (من جرّب مجرّب عقله مخرّب)، لتبقى الثقة موجودة، لأننا، كما يقال، (محكومون بالأمل).
بشير فرزان