المؤتمر الثقافي السوري..مواجهة الأفكار المغذية للإرهاب والتطرف
يهدف المؤتمر الثقافي السوري المنعقد في مكتبة الأسد إلى جمع كبار الباحثين والمفكرين من أجل دراسة أهم القضايا الثقافية المعاصرة، وفي هذه الدورة يبحث موضوع ملح بالنسبة لنا كسوريين، ألا وهو الإنسان السوري بعد الأزمة ما هي رؤاه، وما هي السياسات الثقافية التي ينبغي على وزارة ثقافة أن تتبعها لمخاطبته، وما هي الأفكار التي يجب اقتراحها عليه ومحاورته فيها، والموضوع هو -إذا صح التعبير- إعادة إعمار الإنسان السوري بعد انتهاء الحرب على بلدنا التي هدمت وصدعت أركانا كثيرة وكبيرة في روح وعقل المواطن السوري، فبات يشك في كثير من القيم التي كان يؤمن بها سابقاً دون تحفّظ، لهذا فإن إعادة الإعمار المقترحة تنطوي على عدة محاور أو مواضيع منها:
إعادة إعمار قيم التسامح والحوار ونبذ التعصب لدى تربية وتثقيف الأجيال القادمة، وإعمار وسائل وأدوات مواجهة الأفكار المغذية للإرهاب والتطرف، وعلاقة الإنسان بمفهوم المعرفة ووسائلها، لأن الضخ الإعلامي الهائل المضلل الموجه من قبل قنوات فضائية معادية وذات تقنيات عالية، وكم الكذب الذي أُغرق به هذا المواطن جعلاه يفقد ثقته بصحة أي خبر أو معلومة وصوابية أي فكرة.
وأخيراً إعادة إعمار علاقته بذاته التي أصابها الكثير من التشوش والاضطراب، إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى المرتبطة بالحراك الفكري الدائر حول الواقع الراهن، وآفاق المستقبل.
الفكر التكفيري وسبل مواجهته
وتحدث الباحث نبيل فوزات نوفل عن نشأة الفكر التكفيري وخصائصه، والقوى الداعمة والممولة له، ودور القوى الإمبريالية والصهيونية في نشأة ورعاية الفكر التكفيري واستثمار الدين في السياسة ودور بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية في دعم هذا الفكر، ودعم ورعاية بني سعود لهذا الفكر المتمثل في الوهابية والإخوان المسلمين وأصنافهما المختلفة، وما هي أهدافه وخاصة في الإبقاء على التخلف والتجزئة وإقامة إمارات تكفيرية طائفية على أسس دينية لكي تكون مبرراً لقيام الدولة اليهودية في فلسطين، وكيفية مواجهته سياسياً وفكرياً وثقافياً من خلال التربية والتعليم، ووعي الفكر القومي، وإعادة إحياء أفكار العروبة لهوية وانتماء وتعزيز روح المقاومة وثقافتها، ورفض فكرة الأمة الإسلامية الواحدة ومبدأ الخلافة وتكريس ثقافة الحوار في المجتمع ونشر الثقافة التي تقدس العقل واحترامه في المجتمع، والتي تتصف بالعقلانية العلمية والتفكير الخلاق والتفكير النقدي والعلمانية.
العقلانية والموقف من التراث
في هذا المحور تحدث د. نزار بريك هنيدي فقال: أصبح واضحاً الآن أن ما عاناه وطننا العربي في السنوات الأخيرة، كان نتيجة لمخططات خارجية، وضعتها القوى الإمبريالية العالمية المتحالفة مع عدوّنا الصهيوني وعملائه من القوى الرجعية العربي، التي ما فتئت تعمل على توظيف كل ما يتاح لها من أسلحة لإعاقة نهضة أمتنا العربية، وسلبها ما تمتلكه من أسباب القوة ومقومات الصمود، ومنعها من تحقيق ما تصبو إليه من نهضة وتقدم وحرية.
ويضيف المحاضر: ربما كان من أهم ما كشفته لنا أحداث هذه السنوات العجاف، هو مدى استغلال هذه القوى لسيطرة الفهم المتخلف للتراث على أفكار وسلوك قطاعات واسعة من الجماهير العربية، التي لم تفلح دعوات الإصلاح ولا جهود التنوير ولا أحزاب الطليعة في أن تقدم لها فهماً عصرياً للتراث، يحرره من الخرافات والغيبيات، ويحوله من عائق أمام محاولات النهوض، إلى منطلق ترتكز إليه مسيرة التطوير والتحديث والتقدم، وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به إلا بإنجاز قراءة عقلانية للتراث، لا تكتفي بإبراز ما يتضمنه من أسس عقلية ورؤى تقدمية، وإنما تعمل على تفسير مقولاته ومضامينه وأحداثه جميعها وفق سياقها التاريخي الموضوعي.
إعادة قراءة التراث
وفي محور إعادة قراءة التراث الفكري والأدبي من منظور عصري وعلمي تحدث الأديب مالك صقور قائلاً: ينطلق بحثي في تحديد وتعريف معنى التراث بشكل عام، والآن ومن عشرات السنين والدراسات والبحوث وما جرى بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وبعد تلاقي الثقافات والحضارات، يفترض بالعرب أن يعيدوا قراءة التراث العظيم والحضارة العربية منذ بدء التدوين، وفق ما أشار إليه المؤرخ الكبير وعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون في مقدمته.
الثقافة وتحديات العصر
افتتح الأديب مالك صقور الجلسة الثانية من فعاليات (المؤتمر الثقافي السوري) بمحور “الثقافة وتحديات العصر الرقمي ووسائل اتصاله وسبل مواجهة الضخ الإعلامي المضلل” فقدم المحاضرون مع تأكيد على أهمية هذا المحور، خصوصا وأننا خضنا حربا قذرة مع الإعلام المضلل، الكاذب، والذي كان فيه لعالم “الشابكة” وأذرعها من وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف أنواعها، شديد الأثر في تسعير النار على البلاد، من خلال الأخبار المضللة والكاذبة، التي انتشرت من خلال تلك المنصات، والتي صارت موجودة في البيت السوري وانتهى الأمر.
الرقمنة ليست عدوانا أو مؤامرة
الورقة الأولى في الجلسة قدمها “هامس زريق” بتمهيد لما سيخوض فيه، والتي كان فحواها عموما:(الرقمنة أو تحويل العالم إلى شاشة،)، ومن هذه العناوين الفرعية: المجتمع الشبكي وما يعنيه ومفهومه؛ الثقافة الشبكية؛ ظاهرة التجانس الثقافي والتشظي الثقافي؛ الصناعات الثقافية ووسائل التواصل الرقمية كالمنتديات والشبكات؛ المجتمع الشبكي السوري؛ وتجليات ظاهرة المجتمع الشبكي عليه، ومنها تحويل المعلومة إلى سلعة للأفراد والمؤسسات؛ وهي في متناول الجميع، بغض النظر عن هذه المعلومة إن كانت صائبة أم العكس، فهذه الرقمنة حسب “هامس” جاءت على حساب اللغة، عندما حلّ محلها تبادل الصور ومقاطع الفيديو، وهذه كان لها ما كان من أثر كبير في الحرب على سورية، بعد أن صارت وسائلها من هواتف ذكية ولوحية وغيرها، في يد من يريد، وبالتالي يسهل على الجميع تمرير حمولات ثقافية وأيديولوجية بسيطة ومعقدة عبر هذه الصور والمقاطع، خصوصا وأننا جميعا نحيا التطور اليومي لهذه الثورة الرقمية، وهذه يمكن توظيفها بالحروب كما حدث وشاهدنا، ليختم بعدها بعدد من التوصيات التي تمكننا من الخوض في هذا العالم الرقمي، لا كمستخدمين فقط، بل أيضا كصناع مشاركين فيه، لتظهر فيما بعد آثار هذا التطور الرقمي، على مختلف نواحي حياتنا المهنية وغيرت من طرق عيشنا، وهذا التغيير من السهولة ملاحظته من خلال الأسرة التي هي نواة المجتمع، وما على أي شخص فينا، إلا أن يحصي عدد الساعات التي يقضيها على تلك الوسائل، ليعرف حجم هذا التأثير، وكان قد أبدى العلماء والناس قلقا عميقا نتيجة ضياع ما يسمى المعايير التقليدية، والتهديد الكبير لعالم الثقافة المعروف، واستشهد “زريق” بعدد من علماء الاجتماع لإيصال فكرته، ومنهم “مانويل كاستز” الذي طرح مفهوم “المجتمع الشبكي”، فهذه الشبكات، صارت هي الواجهة لمجتمعاتنا.
عموما جاءت محاضرة “هامس زريق” تقنية واختصاصية، وفيها العديد من النقاط التي أكد فيها على ضرورة أن نواكب هذا التطور الرقمي الذي لا مفر منه، ضاربا مثلا عن كونه لا يستطيع أن يمنع التأثيرات السلبية عن أولاده، فكيف عن غيرهم؟.
لا يوجد لدينا صناعة رقمية
أما العنوان الحداثوثي نسبة إلى العناوين الأخرى والذي خاض فيه “قاسم الشاغوري”، فقد جاء في عمومه عن حصتنا كعرب عموما في هذا المحتوى الرقمي، ومدى ضآلة مساهمتنا فيه، حسب إحصائيات تم إجراءها خلال مواقيت مختلفة، هذا عدا عن كون حجب العديد من المواقع مثل “اليوتيوب، والفيس، والويكيبيديا وغيرها”، كان له أثره السلبي، فقد جعل الآخرون يسبقوننا بسنين طويلة في التعامل مع هذا التطور، الذي تعاملنا معه ببدائية بداية الأمر، خصوصا وأنه كان بالإمكان عوض حجب تلك المواقع، أن نعمل على فهمها والتعلم لمواكبتها وتغيير حجم مشاركتنا في هذه الداتا الهائلة من المعلومات،عدا عن كون هذا المحتوي الرقمي، يضم الكثير من الأفكار المغلوطة عنّا، خصوصا في المواقع التي تتيح التحكم بها من قبل أفراد وبلا أي مسؤولية، ذاك أننا غائبون عن الساحة العلمية حسب “الشاغوري” من 200 إلى 300 عام”، ما جعل 20% من المحتوى الرقمي الثقافي العربي الكامل، هو محتوى أصلي، أما ما تبقى فهو إما منسوخ أو مشوه، خصوصا إذا علمنا ان كل المحتوى الرقمي العربي على شبكة الأنترنت، لا يساوي 0،6 %من كتلة المحتوى الكامل من كل اللغات الموجودة على الشبكة، علما أن اللغة العربية أيضا حسب “قاسم”–الشاب الوحيد (33سنة) الذي لم يشب شعره بين المحاضرين -هي سابع لغة حسب ترتيب عدد الناطقين بها، واقترح المحاضر “الشاغوري” أن نعيد بناء المنظومة التعليمية ومنذ الصفر على أساس الثقافة المعلوماتية، لمواكبة هذا التطور والتفوق فيه، فهو موجود ولا مفر منه، ومن الطبيعي أن نعمل على تحصين أجيالنا بالمعرفة المعلوماتية بشكلها الصحيح، فمعظم الحياة اليوم، قائمة على التعامل مع التكنولوجية، وبدون وجود ثقافة تقنية واضحة يتعلمها الطفل منذ الصغر بطريقة صحيحة، سوف يكون لدينا أجيال غير قادرة على التطور الحاصل في هذا العالم.
الثقافة ومواقع التواصل
الكاتب حسن م. يوسف، ذهب نحو تسمية العديد من التطبيقات الموجودة في عالم الشابكة، مع ذكر وظائفها، خصوصا تلك القائمة على التواصل الاجتماعي، معتبرا أن العالم الرقمي اكتسح العالم الواقعي، حيث يمكن أن تجد مناطق لا كهرباء أو ماء فيها، لكن فيها انترنت مثلا، وحصل جراء هذا التطور التكنولوجي، انزياح للمشهد الثقافي العالمي، للصورة على حساب الكلمة، خصوصا في الدول التي لم تترسخ عند مواطنيها عادة القراءة، مع انتشار الهواتف الخليوية، التي صار عددها أكثر من عدد سكان العالم بأسره، حيث نجح هذا التطور ومنذ الراديو في تفتيت اللحظة الإنسانية، وتراجع تأثير الكلمة المكتوبة، مع بروز ثقافة الصورة، وأكد على أهمية أن يكون لدينا بصمتنا في صناعة محتوانا الثقافي الخاص بنا، من خلال اختيار عدد من الكتّاب المشهود لهم، للعمل على تضمين هذا المحتوى الرقمي، قيمنا وقيم أدبنا وفكرنا ومفكرينا، مستشهدا بعدد من الأقوال لأهم أدباءنا السوريين، كالماغوط وحنا مينا وبدوي الجبل، وغيرهم من الأدباء والمثقفين السوريين الكبار، الذين أثروا المعرفة والأدب العالمي بما قدموه من نتاج فكري وفني وثقافي معرفي، بديع وعظيم.
جمان بركات- تمّام علي بركات