عودة العرب إلى عروبتهم؟!!
إذا كان من الثابت تاريخياً أن دمشق هي قلب العروبة النابض، فإنه، وبالضرورة، من الثابت حكماً، أن سلامة العروبة هي من سلامة هذا القلب، وهي معادلة لم يكن للسنوات العجاف الماضية سوى أن تزيد في دلائل إثباتها، وترسّخ مضمونها في الوعي العربي الشعبي قبل الرسمي، بل ورغماً عنه أحياناً، فحين تضافر تكالب الأعداء مع ظلم ذوي القربى على هذا القلب ظنّاً منهم أن إيقاف نبضه سيضخ الدم في شرايين مشاريعهم المشبوهة، تداعت له سائر الأعضاء بالحمى – وليس بالسهر، لأن بعض هذه الأعضاء شارك في العدوان عليه – فانعزلت القاهرة عن نفسها وأمنها الداخلي وعن دورها العربي والإقليمي أيضاً، وأصبحت الجزائر وتونس عواصم طرفية محدودة التأثير، فيما كادت بغداد تنهار أمام جحافل الغزاة الجدد، وغرقت الرياض في أوهام فائض القوة والحزم ومغامرات “حكام دون رؤية”، وتهدّمت أسوار الخرطوم، وسقطت لاءاتها الشهيرة نهائياً ورسمياً، فعانت القدس من محاولة فرض “صفقة قرن” كان من المفترض أن تكون ورقة نعي أخيرة ليس لها فقط، بل للعروبة بما هي لحمة جامعة بين دول المنطقة من جهة، وبما هي، من جهة أخرى، المشروع الحقيقي الوحيد الحامل لقضايا الأمة، والحامي لثوابتها، والرافعة الأمثل لمستقبل طبيعي في عالم مليء بالتحديات المتجددة مع كل طلعة شمس.
لذلك، ولهذه الأسباب كلها كان “بعض” العرب، في حربهم على سورية – جرّبوا خلالها كل شيء، وباعوا كل شيء – كمن يجدع أنفه بنفسه، كما يقول المثل العربي الذي تجاهله العرب ذاتهم، وكانت النتيجة الحتمية لذلك أن أصبح الخارج أكثر قدرة على ابتزازهم واستنزافهم، بعد أن ساعدوه حين نقبوا حجارة قلعتهم بأيديهم، وحاولوا هدم سورهم الحامي بمعاولهم، وقد أثبتت السنوات الماضية أن المشاريع الخارجية التي انخرط العرب بها انقلبت وبالاً عليهم مهما “دفعوا” من أموال أو تنازلوا عن حقوق.
بهذا المعنى ليس، ولن ولم يكن أمام العرب سوى دمشق لامتحان جدية عروبتهم وحقيقتها، فهي “وعلى الرغم من كل ما حصل خلال سنوات الحرب بقيت مؤمنة بالعروبة ومتمسّكة بها”، وهي، في حقبة الأمويين، من منح هذه العروبة امبراطوريتها الأهم والأكبر، ومنها انطلق صلاح الدين لتحرير القدس، وإليها وصل الظاهر بيبرس ليصنع نصر العرب على المغول، ولولاها لما كانت تشرين الإرادة، وبالتالي ليس من شأن إضعافها سوى إضعاف قضايا العرب أنفسهم، لذلك وفي نصرها اليوم، وكما كانت عبر التاريخ، تمتحن دمشق قابليتهم للانتصار بعد أن أدمنوا الهزيمة باعتبارها قدراً لا راد له، كما أراد البعض أن يوحي للشعب كي يبرر مواقفه المتخاذلة، وهي، أي دمشق، وكما كانت دائماً، ما زالت تدعو للوحدة في مواجهة التحديات، خاصة في هذه المرحلة التي يؤكّد فيها ما يحصل في المنطقة، والعرب ضمنها، “ضرورة استثمار كل الطاقات والجهود من أجل خدمة القضايا العربية، والوقوف في وجه ما يتمّ رسمه من مخططات تتعارض مع مصالح دول المنطقة وشعوبها”.
واليوم، ونحن على أعتاب الذكرى الثانية لتحرير حلب، بدأنا نشهد بعض التحرّكات العربية اللافتة التي تدعونا، كمراقبين ومهتمين، للتساؤل: أهي بوادر جدية لعودة العرب إلى عروبتهم التي لا خلاص لهم من دونها؟!!، خاصة وأن الأحداث الإقليمية والدولية الناجمة عن مخاض عالم يعيد تشكيل حدوده السياسية والجغرافية، أعادت طرح الأسئلة الجدية التي لا يمكن لأي دولة عربية الإجابة عنها وحدها.
قصارى القول: إذا كانت معادلة القرن الماضي السياسية تقول: إنه “لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية”، فقد أصبح من الضروري، بعد هذه السنوات الثماني، أن نعدّل فيها لتصبح و”لا عروبة دون سورية”، ومخبر تحليل هذه المعادلة الوحيد والحصري هو مطار دمشق الدولي، ولا شيء غيره.
أحمد حسن