كلفوا الدولة نصف مليار ليرة… هذا هو مصير الـ600 خريج من المعهد الوطني للإدارة العامة كثير منهم تم تهميشه.. ومن رسب بمسابقة القبول أعطي فرصاً وظيفية ومواقع لم تعطَ للمؤهلين..!؟
رغم أن الحكومة انطلقت في مفهومها للإصلاح الإداري والتنمية الإدارية، من ضرورات ملحة لمعالجة القصور الإداري وإيلاء التدريب والتأهيل الاهتمام الكافي، وبناء عليه كان توجيهها للمُشرِّع بدعم عملية التأهيل والتدريب وتحصين الإداريين وتحفيزهم على العمل بكفاءة ونزاهة عبر إقرار المرسوم التشريعي لإحداث المعهد الوطني للإدارة العامة رقم 27 لعام 2002 على غرار المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا (ENA)، وذلك بهدف إعداد وتأهيل كوادر تسهم في إصلاح الإدارة العامة في سورية، اليوم وبعد تخرج أكثر من 600 خريج من المعهد الوطني للإدارة العامة، أنفقت الدولة على تدريبهم وتأهيلهم أكثر من نصف مليار ليرة، حال لسانهم يقول: إن كل ما أقر لهم ضمن المرسوم الآنف الذكر، ومنها حوافز ومزايا للخريجين (إشغال مواقع وظيفية رئيسية إشرافية بعد التخرج؛ وتعويض طبيعة عمل 75% بتاريخ أداء العمل)، تم إحباطه أو تفشيله…!؟
ووفقاًً لما كشفه عبد الرحمن تيشوري عضو مجلس خبراء التنمية الإدارية في وزارة التنمية، فإنه لم يتم تعيين الخريجين في مواقع تناسب الخبرة والتأهيل العالي العالمي الذي تلقوه، بسبب الفرز العشوائي البعيد عن مقاصد التجربة وأهدافها، كما أصبح التعويض 17% بدل 75%، بسبب اجتهادات وزارة المالية، وعدم تفهم فلسفة التجربة التي أرادتها القيادة نموذجية.
بعد أن..!؟
وكشف الخبير أن كثيراً من الخريجين تم وضعهم تحت سلطة من هو أدنى تأهيلاً منهم، والأنكى أن الذي لم يُقبل في مسابقة القبول للمعهد ورسب فيها أُعطي فرصاً وظيفية ومواقع لم تعطَ للخريجين المؤهلين لشغلها، والنتيجة كانت: انتشار الإحباط وسط الخريجين والمتدربين والراغبين بالانتساب إلى المعهد، وانعكاس ذلك على حياتهم الاجتماعية والمادية والنفسية وغيرها.
عطفاً على هذا الواقع، حذر تيشوري من أن المعهد مهدد بالإغلاق، وكذلك التجربة برمتها مهددة بالفشل، بعد أن صرفت مئات الملايين من الليرات السورية لتأسيسه وإعداد خريجيه، وبعد أن صنف المعهد من ضمن أفضل عشرة معاهد إدارية في العالم باعتراف الجانب الفرنسي، مبيناً أن ما حدث ويحدث أدى لإضعاف مصداقية الخطاب الرسمي والتوجهات الإصلاحية أمام الرأي العام المتابع لمشروع وعملية الإصلاح الإداري، وغياب الحديث عن تجربة رائدة انتظرها الكثيرون من أبناء شعبنا ومثقفيه.
تيشوري لفت إلى تناقص حاد في عدد الراغبين بالدخول إلى المعهد، الأمر الذي أدى بدوره لانخفاض سوية المتقدمين حالياً للأسباب السابقة؛ علما أن قدرات ومهارات وتدريبات ومعارف الخريجين تم اكتسابها على مدار ثلاث سنوات ميلادية كاملة وليس دراسية، وتتلمذوا على أيدي وزراء وقيادات رفيعة وخبراء فرنسيين وعالميين ووطنيين، في قضايا الاقتصاد والإدارة والقانون واللغات والمعلوماتية، ويحضرون ويشاركون في عشرات المؤتمرات ومنها الدولية، وورش العمل لاكتساب مهارات في: (إدارة الوقت – إدارة التفاوض- إدارة الأزمات – البرمجة اللغوية العصبية – التحليل الاستراتيجي- نظرية المؤسسات – القانون الإداري – القانون الدولي – صياغة النصوص التشريعية – دورات إعداد مدربين احترافية)؛ مع العلم أن جميع الخريجين – وقبل الدخول إلى المعهد- هم من الحاصلين على إجازات جامعية وعليا (دبلومات تخصص وماجستيرات ودكتوراة)، وأن كثيراً منهم لديه خدمة عامة لأكثر من 20 سنة، وأيضاً لديهم مهارات استخدام الحاسوب والتكنولوجيا لتسهيل العلاقة مع المواطن.
إعادة تقييم..
عضو المجلس طالب باسمه وباسم خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة (INA)، الاستفادة من الكفاءات وإعادة تقييم التجربة من هذه الزاوية، أي استثمار مخرجات العملية التدريبية في المعهد؛ لأن الخريجين قادرون – بالقياس لعملية إعدادهم الطويلة والعالمية – على فهم المتغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، وتحليل الوضع الاقتصادي الراهن على مستوى المنظمة، وعلى مستوى الاقتصاد القومي، والفهم الحقيقي للسياسة العامة للدولة من الناحية الاقتصادية، والمشاركة في اتخاذ القرار المناسب الذي يعكس السياسة العامة للدولة إلى واقع تطبيقي.
ذهنية معوقة..
وأوضح أن سورية وفي مجال التخصصات العالية في علم الإدارة، أصبح لديها كفاءات هامة، تمثلت بـ”الاينويين” ممن يمتلكون مهارات تطوير الذات والتعامل مع الآخرين، ومهارات تطوير الشخصية في العمل ومهارات تطوير العمل وآلياته، وبما يتوافق وخصائص الإدارة الحديثة، كالشعور بالمصلحة العامة والقدرة على الاستباق والسيطرة على المعطيات الجديدة، كما يمتلكون مهارات قانونية؛ لأنهم درسوا القانون الإداري والقانون الدستوري والقانون الدولي، وطرق حل النزاعات، وكافة الأمور المرتبطة بالمرفق العام وأهميته وإدارته والمهام الملقاة على عاتق مدير المرفق، وصولاً إلى كيفية تطوير مستوى الخدمات التي يقدمها المرفق العام.
تيشوري بين أن ما وصل إليه الخريجون وعملية الإصلاح برمتها وخاصة الإداري، من نتيجة كان بسبب ذهنية إدارية قائمة في مفاصل إدارية كثيرة، تعوق حركة التطوير، وغير متفهمة لمتطلباته، وتعارض منح الخريجين دورهم المناسب لتأهيلهم، وتصفهم بالمتعالين، وبأوصاف كثيرة بعيدة كل البعد عنهم، وكل ذلك يأتي في سياق محاربة التجربة والخريجين (الذين تم انتقاؤهم بشروط وأسس معيارية قل نظيرها أنتجت منتسبين للمعهد بمواصفات تستحق استثمارها في بناء الإدارة السورية)، للإبقاء على الواقع القائم.
على أمل
وختم عضو مجلس الخبراء، بمناشدة الحكومة، التوجيه إلى الجهات المعنية لإعادة تقييم التجربة بكاملها لجهة الاستفادة من الخريجين وتشجيع الانتساب إلى المسابقة السنوية، والإبقاء على الحافز وإعادة المصداقية للمعهد الوطني للإدارة العامة وللخطاب الإصلاحي التطويري، وتنفيذ القانون 28 الخاص بالإصلاح الإداري، وبالتالي إلى المشروع الإصلاحي برمته.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com