في يومها العالمي د.المحاسني: العربية لغة حية وحاملة لحضارة عريقة
يحتفل مجمع اللغة العربية باليوم العالمي للّغة العربية من خلال بعض الفعاليات التي يقيمها، لذلك من المقرر أن يقيم مؤتمراً خلال الأيام القادمة تحت عنوان “اللغة العربية في مواجهة العولمة” فالعولمة تقضي على الهوية إذا ما استسلم الإنسان للجوانب المَرَضيّة فيها، والعولمة كما يبين رئيس مجمع اللغة العربية د.مروان المحاسني ليست بعبعاً، فكما نأخذها تؤثر فينا، ومن يرفض ما لا يستسيغه فيها هو على حق لأنه يحافظ على ذاتيته ووجوده وشعوره بالانتماء لثقافة هي من أرقى الثقافات العالمية.
لغة علمية
يشير المحاسني إلى أنه وبعد أن أقام مجمع اللغة العربية في العام الماضي ندوة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية بدأ بعض الحضور يتساءل: ماذا يعني اليوم العالمي للّغة العربية؟ وهل وجود يوم عالمي لها هو أمر طبيعي أم شرف عظيم وصلت إليه اللغة العربية؟ وما هو الداعي لوجود مثل هذا اليوم؟ من هنا يؤكد أن اللغة العربية سواء وصفت ضمن التصنيف العالمي للّغات أم لا فهي لغة حية وحاملة لحضارة عريقة يؤمن بها أبناؤها بقيمتها ومستواها، وبالتالي يطرح سؤال: “ما الذي جعل اللغة العربية اليوم تحظى بأن تكون لغة مختارة بين اللغات التي يمكن استعمالها في المناسبات والمحافل الدولية، وهل من صنّفها لا يعلم بوجودها سابقاً واليوم قد علموا بذلك، فهل ذلك بهدف زيادة طرأت على عدد المتكلمين بها؟ أو لأن أبناء هذه اللغة أثبتوا وجوداً علمياً فأدخلوها في بند اللغات الخاصة ذات القيمة العالمية، ويوضح د.المحاسني أنه وعلى أرض الواقع لم يزدد عدد الناطقين باللغة العربية بالشكل الذي يفسر هذه الخطوة، وأما الإنتاج العلمي في العالم الحديث فأبناء العروبة ليسوا من المساهمين حتى يكرّموا من خلال لغتهم، وبالتالي فإن الموضوع بالنسبة لـه موضوع ثقافي عميق يقوم على أن اللغة العربية موجودة في أذهان جميع الذين يتكلمون بالعلم والثقافة وأمور الحضارة، وبالتالي فاللغة العربية لغة حضارية قائمة سواء أدرجت ضمن التصنيف العالمي أو لا، وقد أثبتت هذه اللغة أنها لغة علمية في زمن كانت فيه العلوم تختلف عن العلوم الحديثة اليوم، فابن سينا والفارابي وابن زهر علماء كانوا ينطقون باللغة العربية ويكتبون بها، وقد أثبتوا وجوداً علمياً شملت العالم في ذلك الزمان، وهذا ما أدى في مرحلة القرن السادس عشر إلى أن تشع أمجاد الأندلس على أوربا، وحينها تساءل الأوربيون: ما هذه العلوم الموجودة في الأندلس والتي قد نحتاج إلى مثيلها؟ فطلبوا من أبنائهم تعلم اللغة العربية وأرسلوهم إلى الأندلس ليقوموا بترجمة العلوم والثقافة العربية بصورة عامة، لذلك فإن اللغة العربية فرضت نفسها اليوم برأي د.المحاسني لماضيها ولحاضرها ولما يخشى من مستقبلها إذا ما استمر العرب في التطور العلمي والحضاري، لذلك صُنِّفت عالمياً لتكون أميركا وأوربا على دراية بما ينتجه العرب، ومن هنا جاء تخصيص يوم عالمي للغة العربية وذلك لم يأتِ كرم أخلاق وإنما جاء عن واقع فرض نفسه.
مخالفة كبرى
وعن واقع اللغة العربية يشير د.المحاسني أن الحديث عن اللغة كلغة موجودة في الكتب ومستعملة في العلوم وكلغة دارجة يعني الحديث عن العديد من التساؤلات والأخطاء والمشكلات، إلا أنه ينوه إلى أن اللغة الدارجة اليوم هي حق للناس ما دامت مشتركة ويفهمها كل عربي، ولكن ما هو مخالفة كبرى إدخال الكلمات الأجنبية وجعلها جزءاً منها لأن ذلك خروج عن الانتماء/ وهذا ما يحدث اليوم بكثرة وهو مؤشر لاحتقار الذات وجزء من مركب النقص الذي يعيشه البعض وسببه أن شبابنا يريدون الخروج من انتماء لغتهم وحضارتهم ويتطلعون لحضارة أخرى غازية قبلناها ونستفيد منها، ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لها، وهذا ما لا يجوز أن نسمح به.
المشروع لم ينتهِ
ويبين د.المحاسني أن مجمع اللغة العربية ليس له سلطة ليظهر الأوامر ويحدد الحدود ويضع الأمور في نصاب محدد لتصبح اللغة العربية اليوم لغة علمية تستطيع أن تساهم في التطور العلمي وهو يقوم بإحداث المصطلحات اللازمة لكل أمر من الأمور من خلال لجانه المتعددة التي تقوم بوضع المصطلحات حسب كل تخصص لتستعمل في جامعاتنا بديلاً عن المصطلحات الأجنبية، منوهاً إلى أن المجمع تأسس في العشرينيات من القرن الماضي وأنشئت معه الجامعة السورية وأصر المندوب الفرنسي حينها أن تكون لغة التدريس فيها هي اللغة الفرنسية لقناعته أن اللغة العربية انتهى أمرها فانبرى حينها رئيس المجمع محمد كرد علي وتجاوب معه رضا سعيد مؤسس الجامعة وأصرا على أن يكون التدريس باللغة العربية دون غيرها، لذلك بدأ المدرسون في الجامعة بإنشاء المصطلحات المقابلة لكل كلمة علمية يجري تدريسها في الجامعة بغير العربية، ومنذ ذلك الحين والمشروع بالنسبة لمجمع اللغة العربية لم ينتهِ، مؤكداً د.المحاسني أن أولئك أثبتوا جدارة اللغة العربية في أن تكون لغة التدريس وتمكّن طلابنا من الدراسة فيها والحصول على شهادات مقبولة في جميع أنحاء العالم، وقد استمر المجمع بتزويد الجامعة بالمصطلحات العربية لاستبدال المصطلحات الأجنبية.
تقصير ابتدائي
ويؤكد د.المحاسني أن اللغة العربية راسخة الجسور وطيلة العهد التركي ورغم محاولات التتريك لم تستطع السلطنة العثمانية أن تفرض اللغة التركية على الأفراد، وإن فرضتها على المدارس لكن الكتاتيب التي كان يشرف عليها فقهاء استطاعت تدريس اللغة العربية كما تعلموها، ومع تطور الزمن وجدت المدارس التي أصبحت اليوم مكاناً يقوم في التدريس فيها من يُعْتَقَد أنه يصلح للتدريس، ولم تصل برأيه إلى الإتقان الذي كان يصل إليه الطالب المتخرج من الكتّاب، لذلك يرى أن التقصير في اللغة العربية هو تقصير ابتدائي بعد أن أصبح الأستاذ لا يشعر بمسؤوليته الكاملة أمام الطلاب، منوهاً إلى أن مسؤولية ما يتعلمه الطلاب في المدارس أو في الجامعة هي مسؤولية الأستاذ أولاً وأخيراً، موضحاً أن مجمع اللغة العربية لا سلطة عملية له على المناهج التربوية إلا من خلال بعض المجمعيين الذين يشرفون على بعضه أو يؤلفون بعضه، أما على الصعيد الجامعي فإن مجمع اللغة العربية يدرس مسارد الكتب في جميع الاختصاصات لإصلاح وإلغاء كل الاختلافات غير المهمة، كما طبع المجمع المعاجم وتم إرسالها لوزير التعليم لتكون ملزمة لكل من يريد أن يؤلف كتاباً للجامعات.
صفة العالمية
ولا يخفي المحاسني أن تحديات كثيرة تواجه اللغة العربية، أبرزها تلك التحديات التي تفرضها التقانة التي تطرح في كل يوم أفكاراً وأساليب ومعاملات جديدة، معظمها يدخل في كلام الناس دون أن يعرض على المجمع، لذلك يعتقد أن مسؤولية الناس كبيرة في أن تستمر لغتهم بألا يسمحوا أن تصبح هذه اللغة ثانوية وهي من أوسع لغات العالم ولا يمكن أن تقارن بأية لغة أخرى، كما يرفض اعتبار العامية أكبر خطر يواجه اللغة العربية لأن العامية برأيه وسيلة تواصل يومي، والعامية لغة حقيقية وهي لغة حية ليس المطلوب أن نقتلها بل تخليصها من الشوائب.
ويختم د.مروان المحاسني حديثه بالتأكيد على أن اللغة العربية لها مكانتها وتأثيرها في كل اللغات وقد انتشرت في لغات أخرى وكانت سنداً لها لذلك بقيت لغة لها صفة العالمية بحقيقتها وهي تعبر عن أدق وأعمق مشاعرنا وفيها من الأصالة ما لا يمكن استبداله، لذلك هي جديرة بأن تبقى مسيطرة على حياتنا علمياً وشعورياً وأخلاقياً.
أمينة عباس