ثقافةصحيفة البعث

“بابجي”.. لعبة وأكثر؟

 

هيفاء علي

لا يختلف اثنان على أن تطور التكنولوجيا سيف ذو حدين، وله جوانب سلبية بقدر ما له جوانب ايجابية، وبكل أسف نحن لا نأخذ منها سوى ما هو ضار، خاصةً شريحة المراهقين والشباب. وكم من قصص وحوادث مروعة سمعنا بها جراء سوء استخدام الانترنت، إذ تظهر من وقت لآخر ألعاب الكترونية حديثة تجذب مستخدمي الهواتف الذكية، فمن منا لم يسمع عن لعبة “مريم” التي ذهب ضحيتها العديد من الأطفال؟ وها هي لعبة “بابجي” القتالية تشهد انتشاراً واسعاً بين المستخدمين على مستوى العالم، إذ يقوم مبدأ اللعبة على فن القتال والاستمتاع به، والبحث عن الأسلحة والعتاد وأدوات الإسعاف الطبية، فيجبر اللاعبين على الهروب من الواقع إلى عالم افتراضي خيالي خطير للغاية، ومن خلال سير اللعبة ينقلك إلى ساحة المعركة وخلال دقائق قليلة يندمج اللاعب مع اللعبة ويبدأ القتال والقتل والدفاع عن النفس في ساحة المعركة والقتال داخل الأبنية ومحاولة الصمود لأطول فترة ممكنة، ويصل عدد اللاعبين في كل مرحلة إلى 100 لاعب، وتضم أكثر من 2 مليون لاعب.
اللعبة تلامس الواقع تقريباً لكونها تظهر المعالم والأسلحة والعتاد وعجلات التنقل والقتال، ما يدفع الشباب والمراهقين إلى العيش في هذا العالم الافتراضي، فينطوون على أنفسهم جلوساً في غرف منفردة بعيدا عن الأهل، وتراهم منعزلين عن المجتمع لساعات طويلة تصل في بعض الأحيان لأكثر من ساعة لعب متواصلة. وهنا تكمن خطورة هذه اللعبة التي توهم الشباب بأن أسلوب العنف هو أفضل طريقة للدفاع عن النفس، وأنه هو الوسيلة المنشودة للوصول إلى الهدف مع إلغاء مبادئ عديدة من فكرهم كالتفاهم واللين والحوار، كما تجعل اللاعب يتحمس ويشعر بنشوة الانتصار ويحتفل بالنصر العظيم في المعركة في حال تمكن من قتل كل المهاجمين، وبذلك تتحول اللعبة من التسلية والمرح إلى إدمان وهروب من الواقع إلى عالم افتراضي. حالات طلاق عديدة وقعت في العراق ومصر وكثير من الدول بسبب اللعبة، وشاب عراقي يقتل من قبل صديقه في العراق محاولاً تطبيق بنود اللعبة على ارض الواقع، كما سمعنا عن انتحار أكثر من شاب مراهق في سورية، ما يعني أن هذه اللعبة تشكل آفةً اجتماعية حقيقية تهدد الجيل الحالي بالضياع من خلال مسح الثقافة العامة فكرياً واجتماعياً وزرع ثقافة السلاح والعنف من قتل وقتال واستمتاع.
إنها باختصار سرقت وخطفت عقول الشباب والمراهقين وحتى المتزوجين والعشاق فسيطرت على حياتهم الواقعية وحولتها إلى جحيم، وهنا يبرز دور الأسرة في الرقابة على أبنائها والعمل على إنقاذهم من مخاطر هذه اللعبة عبر الحديث معهم وشرح أخطارها عليهم وان اقتضى الأمر مصادرة جهاز الموبايل منهم وتشجيعهم على تخصيص وقت للرياضة وممارسة نشاطات أخرى مفيدة، إضافةً إلى التركيز على دراستهم. هذا اقل ما يمكن القيام به لحمايتهم من الاكتئاب والانعزالية والانطوائية.