من أعطاهم الإذن مخالفة بناء في دمشق القديمة تشوّه التراث العمراني وتهدد القيمة الأثرية والإنسانية؟!
دمشق القديمة مسجلة على لائحة التراث الإنساني العالمي لفرادتها وخصوصيتها، وعمقها التاريخي والحضاري، ومن المفترض أن نكون أحرص على حماية ورعاية هذا الإرث من أية منظمة، فلدينا دوائر أثرية، والمفترض أن يكون رأيها هو الفاصل، والحاسم، والمؤكد حرصها على الآثار، لا أن تقف عاجزة وكتبها يتم تداولها بين المحافظة والوزارات دون أن تصل إلى نتيجة تفعيل دورها الأساسي والوحيد في حماية تراث المدينة.
هل يحق لجهة ما أن تخالف كل شروط العمران في دمشق القديمة وفي أقدم وأقدس حاراتها، حارة الزيتون، وتقوم تحت حجة “توجيه” وأخذ موافقة على بناء مخالف بارتفاع ثلاثة طوابق فوق الأرض، وثلاثة طوابق أقبية هكذا جهاراً نهاراً، ولم تكترث بكل الاعتراضات التي قدمت ولا بالكتب التي تم رفعها، والمؤسف أن تكبل الدوائر التي هي مسؤولة عن حماية التراث بقرارات إداراتها الأعلى غير المسؤولة، حتى وصلت المخالفة إلى طابقها الثالث ارتفاعاً، بناء نشاز عن محيطه، مسبباً الكثير من الأذى لجواره الذين تقدموا بشكوى إلى وزارة الإدارة المحلية تحت رقم 3248 تاريخ 7/6/2018 حول وجود بناء ضخم من عدة طوابق في حي الزيتون، والبناء من البيتون المسلح دون رخصة بناء نظامية، ولا يوجد أي إشراف عليه، ما يؤكد عدم وجود مخططات، وارتفاع البناء في ازدياد، حيث قامت الجهة المالكة بحفر حفرة بعمق أكثر من 8 أمتار، ما أدى إلى هبوط وتشققات في الأبنية المجاورة، كما أن ارتفاع البناء يحجب الهواء والضوء عن جواره، وشكل البناء يؤكد على أنه بناء استثماري يحتوي على صالات وغرف طلبة.
ويتساءل السكان: كيف لا يستطيع أحد منهم وضع قرميدة أو صيانة عقاره إلا بعد حصوله على موافقات وبعد جهد جهيد، كما قام وزير الإدارة المحلية بتوجيه كتاب لمحافظة دمشق التي لم تبال بالكتاب، وأكدت على متابعة العمل؟!.
رد معاكس للشكوى
وعن طريق مديرية الشكاوى والتظلم تم رفع كتاب إلى محافظ دمشق بتاريخ 2/7/2018 يؤكد على وجود بناء ضخم من البيتون المسلح على العقار 784/2 باب توما، وكافة الأعمال دون مخططات، ولا تراخيص، ولا أذونات صب، ولا يعرف وظيفة للفراغات والطوابق المبنية، مع الإشارة إلى أن الحفريات التي تمت على عمق كبير أدت إلى هبوط وتشققات في أبنية الجوار، والبناء لا يحتوي على أي طابع عمراني لدمشق القديمة، لكن حاشية المحافظ السابق على هذا الكتاب تؤكد على استمرار البناء ومتابعة الترميم، ولا ندري أي ترميم؟!.
مخالفة التعليمات الناظمة لمبنى أثري مسجل
السيد وزير الثقافة محمد الأحمد وجّه كتاباً برقم 4065 لمحافظ دمشق السابق يؤكد على وجود المخالفة، وعدم حصول أصحاب البناء على موافقة السلطات الأثرية، ومخالفتهم لنظام ضابطة البناء في دمشق القديمة، ومخالفة المخطط الكادسترائي، والأوصاف الأولى للعقار، ويؤكد السيد الوزير على حساسية وخطورة الموضوع وتأثيره على موقع دمشق على لائحة التراث العالمي، خاصة في ظل إدراجها على لائحة التراث المهدد بالخطر، الأمر الذي قد يؤدي إلى شطبها نهائياً عن اللائحة، ويؤكد الكتاب على أن المشروع ثلاثة أجزاء، تم تنفيذ قسم واحد منها، وطالب بالإحالة لأصحاب العقار لمعالجة ما نفذ من أعمال لإخضاعها وفق شروط القانون السوري للآثار، ونظام ضابطة البناء، وتقديم الدراسة اللازمة لما لم ينفذ من أعمال وفق القوانين والأنظمة، مع كافة الدراسات الإنشائية والسلامة، وإصلاح ما تسببت به تلك الأعمال من أضرار للجوار!.
وكان رد المحافظ بكتابه رقم 45360 إلى وزارة الثقافة بأن الأعمال الجارية هي إشادة ثلاثة أقبية وثلاثة طوابق، وبإشراف هندسي من الجهة المنفذة، على أن يتم الإكساء بمواد تقليدية، وأن الأعمال تتم بناء على موافقتنا المستمرة، وتقديم التسهيلات، وتقدمت الجهة صاحبة العقار بمجموعة من المخططات المعمارية والإنشائية التي تمت دراستها من قبل دائرتي التوثيق والرقابة والإشراف، ودائرة دمشق القديمة، مع لحظ عدد من التوصيات التي تتعلق بالدراسة المعمارية لواجهة البناء وحقوق الارتفاق، وتمت مخاطبة المرجعية بالكتاب رقم 42250 تاريخ 2/9/2018.
إقصاء مديرية الآثار و”تطنيشها”
كان رد دائرة آثار دمشق بكتاب أرسل للسيد وزير الثقافة بأنه لم تتقدم أية جهة إلى دائرة آثار دمشق بأي طلب بخصوص البناء الذي يرتفع مخالفاً، ويحتوي على قبوين تحت الأرض، وأربعة طوابق فوق الأرض، واستخدام مواد مخالفة من البيتون المسلح والبلوك، ما يخالف المخطط الكادسترائي، وبيان أوصاف العقار، وجميع هذه الأعمال مخالفة لقانون الآثار السوري، كما أن الجهة التي يتبع لها العقار لم تتقدم بأي طلب، أو مخططات، أو دراسة إلى المديرية العامة للآثار، أو مديرية آثار دمشق، ولم تحصل على أية موافقة من مرجعيات الآثار، ولم تتجاوب مع طلبات دائرة الآثار بإيقاف العمل، لذلك تم تنظيم ضبط أصولي بحق المرجعية برقم 8 لعام 2018.
استنفار قضائي
مدير عام الآثار والمتاحف بسورية الدكتور محمود حمود وجّه كتاباً إلى المحامي العام الأول حول المخالفة، وعدم تجاوب أصحاب العقار مع كل المراسلات، ورغم تنظيم ضبط بالمخالفة، إلا أن الأعمال مستمرة، ولذلك يطالب الكتاب رقم 5010 /22/ص بإيقاف البناء، ومعالجة ما نفذ منه وفق أحكام القانون السوري للآثار.
تاريخ المخالفة
مدير دمشق القديمة سابقاً وجّه كتاباً إلى السيد المحافظ يؤكد أن الجهة المنفذة أكدت على عدم المقدرة على تقليص مساحات البناء في الطابق الأرضي، وتكبير الفسحة السماوية، وذلك لضرورة زيادة عدد المكاتب وغرف النشاطات، وأنها تستخدم مواد حديثة للهيكل ستغطى لاحقاً بمواد قديمة، والتأكيد على بناء طابق جديد على السطح لزوم إقامة المرجعية.
وكان رد المحافظ بأنه تم الاطلاع، ويجب تقديم كل التسهيلات اللازمة وفق دراسة أصحاب البناء؟!.
(يا للعجب)
استغراب للجرأة في المخالفة
الدكتور طلال العقيلي، اختصاص تخطيط مدن وخبير معماري، عميد كلية الهندسة المعمارية سابقاً، يستغرب حقيقة ما حدث في هذا البناء، متسائلاً: كيف تهدم غرفة لمواطن محتاج لسكن بظروف الحرب لأنها غير موجودة في المصور الكادسترائي، ونرى تحت أي مسمى أو توجيه أو غيره بناء يرتفع في أكثر المواقع حساسية في دمشق مخالفاً لكل الأنظمة والمعايير من حيث الكتلة، والارتفاع، والمواد المستعملة وتحت الأرض!!.. يتساءل د العقيلي: لماذا استفزاز الهوية السورية، وتخريب التوازن بين المواطنين في المجتمع؟! لماذا غرف وبيوت المواطنين تهدم، ويشاد بناء رغم كل هذه المخالفات؟! ويؤكد على رفض المزايدة أن هناك موافقات لجهات عليا، متسائلاً: ألا يكفينا سبع سنوات من الحرب لنعود إلى الاستثناءات تحت الطاولة، ولماذا وكيف يتم التغاضي عن البناء رغم وقاحة وجرأة المخالفة؟!.
سيبقى صوتنا أعلى من علوها
ألا يكفي ما استعرضنا من الواقع والآراء المختصة والمسؤولة والوطنية بتأكيد ليس فقط مخالفة القانون وإنما المس بتراثنا وتاريخنا بجرأة قولاً وفعلاً، فمن واجب أية جهة كانت تأكيد تطبيق القانون، وأن تكون مثالاً ومرجعية للمواطن في الحرص على ذلك، لا أن تتستر وراء توجيهات وموافقة المحافظ السابق، والالتفاف على كافة مطالب الفنيين في الالتزام بالقانون؟!.
ابتسام مغربي