ماي تتحدّى البرلمان
تحدّت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن يتقدّم جيريمي كوربين، زعيم أكبر الأحزاب المعارضة، بطلب سحب الثقة من حكومتها رسمياً، بعد أن ضمنت دعم نواب حزبها والحزب الاتحادي الديمقراطي الايرلندي.
ورفضت رئاسة الوزراء أيضاً طلب كوربين بمنح البرلمان فرصة للتصويت على أداء رئيسة الوزراء، وبناء على ذلك التقت تيريزا ماي بوزرائها لتسريع التحضيرات للخروج من الاتحاد الأوروبي دون التوصّل إلى اتفاق قبل مئة يوم من الخروج المزمع في 29 آذار، وباتت فرضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق قائمة، ما يحرّك مخاوف الأوساط الاقتصادية، لكن الزعيمة المحافظة مازالت تناضل من أجل إقناع أعضاء البرلمان بمزايا اتفاق الطلاق مع بروكسل، وحتى اللحظة ترفض ماي إجراء استفتاء ثانٍ على الخروج كي لا تواجه خطر إعادة المحاولة من قبل النواب البريطانيين المؤيدين للخروج من دون تنازلات، على غرار تلك التي قدّمت عند الانضمام إلى النادي الأوروبي.
وبعد هذا الجدال خرجت أصوات من داوينغ ستريت تقول: “لن نمنح الوقت لحيلة دعائية”. هذه الأصوات وضعت حزب العمال أمام تحدي اقتراح المطالبة بحجب الثقة عن السلطة التنفيذية بأكملها، الأمر الذي قد يؤدي إلى إجراء انتخابات عامة جديدة مبكرة، لكن كوربين يتجنّب التصويت على الثقة في الحكومة، لأنه في حال فشل التصويت على سحب الثقة من الحكومة، فسيضطر إلى دعم خيار الاستفتاء الثاني على بريكست، وهو خيار غير محبب من قبل قيادة العمال.
بكل الأحوال، إذا تم تمرير اقتراح حجب الثقة من قبل حزب العمال، فإنه لن يكون ملزماً في أي حال على تيريزا ماي، لكنه سيكشف مرة أخرى عن هشاشة موقفها بعد فشلها في الحصول على ذخيرة جديدة لإقناع برلمانها بنتائج اجتماع القادة الأوروبيين في قمة بروكسل الأسبوع الماضي.
ورغم هذه الانقسامات، هناك المزيد والمزيد من الأصوات التي تناشد ماي لإجراء استفتاء ثانٍ في صفوف المعارضة، كما في صفوف المحافظين، حيث دافعت خمسون شخصية من عالم الاقتصاد عن هذا الحل، لأن اتفاق الانسحاب سيؤثّر على السلامة الإقليمية لبريطانيا، وعلى سيادتها وقدرتها على إبرام الاتفاقات التجارية في أي مكان من العالم، وتكمن مشكلة أخرى في أن رفع شرط الحماية لن يسمح لأوروبا ضمان عدم استعادة الحدود المادية بين ايرلندا وأولستر، وهو شرط لا غنى عنه لاتفاق السلام في ايرلندا، وفي الوقت الذي يؤكّد فيه قادة الصناعة الألمان على فكرة أن بريطانيا لن تستفيد أي شيء من خروجها من الاتحاد الأوروبي، يشير خبراء اقتصاديون مؤيدون للخروج إلى أنها ستستفيد من خروجها من الاتحاد الجمركي لخفض معاييرها الصحية والاجتماعية.
أمام جميع هذه التحذيرات والتحديات تجازف ماي بمستقبلها السياسي، وتضع مستقبل بريطانيا على المحك، لكن في الواقع كل شيء مرهون بالعلاقة المستقبلية بين أوروبا والمملكة المتحدة.
هيفاء علي