الإعــــلام المســــــؤول عيــــن البــــلاد لكبـــح جمـــاح الفســـــاد
المزيد من الحديث عن ظاهرة الفساد دون أن يترافق ذلك بجهود مدروسة ومحثوثة لعلاجها، يكاد يضعف تتابعياً من عدد وعدة المهتمين والمعنيين بها، وحديث اليائسين يتكرر ويتفاقم في أكثر من مكان وزمان، أكان على المستوى الشعبي المحْقُون غالبيته بالألم والحقد، أو الرسمي الذي يقتله قلة الوفاء بالوعد، المترافق بسعي البعض لتقزيم وتحجيم غالبية الطروحات الدالة على مواطن الفساد، جاهلين ومتجاهلين أن تثبيط الهمم يعقبه الندم، ولا يخفى على أي عاقل أن الندم بعد الفوات أمر من الموت. وتبقى الخشية من أولئك الذين يروجون للابتعاد عن البحث في ظاهرة الفساد، تخوفاً أو تخويفاً من الوقوع في حبائلها، بدلاً من الحض على قطع حبالها.
خلال العقدين الأخيرين لعب الإعلام دوراً رائداً في إلقاء الضوء على الكثير من القضايا الاقتصادية الهامة، والدالة على الكثير من مواقع الفساد، من خلال ما أثير عبر عشرات الدوريات الإعلامية الرسمية والخاصة، المهتمة بالشأن الاقتصادي، وخاصة الصفحات الاقتصادية في الصحف الرسمية، بالترافق مع الدور البارز والمعهود لجمعية العلوم الاقتصادية السورية، عبر العديد من منتدياتها وخاصة منتدى الثلاثاء الاقتصادي، الذي كان يستمر أشهراً كل عام، وكانت الصفحات الاقتصادية في الصحف الرسمية تعرض وتنقل وقائع هذه الندوة، وبقية الأنشطة الاقتصادية، ويندر أن خلت مشكلة إدارية أو اقتصادية من العرض المفصَّل والنقاش المفصِّل، أكان ذلك منبرياً عبر محاضرات، أو ورقياً عبر الصفحات، أو عبر الكثير من ورشات العمل الاقتصادية، وكل ذلك تم تحت أعين الجهات المعنية وبتشجيع منها، ولما بدا أن الجهات الرسمية قد تفهمت الكثير مما تم طرحه وأوشكت على البدء باستثمار بعض ما تم عرضه، والتنظير لمعالجة الكثير المشكو منه، ظهر الفاسدون الأخطر بلبوسهم الإرهابي الأحقر، وعبر الشعار المفضوح الذي أعلنوه “الشعب يريد إسقاط النظام”، وليتهم قالوا الشعب يريد إسقاط مرتكبي الخلل والفساد، ولا يخفى على متبصر أن جميع ممارسات الإرهابيين كانت فساداً لا إصلاحاً، هدماً لا بناء، فتوقفت أغلب الدوريات الاقتصادية عن الصدور، وانخفضت عدد صفحات الدوريات الرسمية، وخف نشاط جمعية العلوم الاقتصادية، والأنشطة المماثلة، وبقي الدور الأساس لمن شعارهم – وطن، شرف، إخلاص- الذين قلبوا السحر على الساحر، وأسقطوا رهانات الخصوم الآفلين بالتتابع وإلى غير رجعة.
فبلدنا يعيش مرحلة التعافي وإلى المزيد الأفضل يوماً بيوم، ومنذ أكثر من عام ونحن نشهد معظم الدوريات الإعلامية الاقتصادية السابقة، تعود للظهور مجدداً بنفس أسمائها، بل صدر الجديد بأسماء جديدة، وقد طرح السيد الرئيس المشروع الوطني للإصلاح الإداري، ونشهد وضع الأسس لمرحلة إعادة الإعمار، والوفود الاقتصادية الدولية تؤم دمشق، وكثير من ورشات الأنشطة الاقتصادية قيد الدراسة أو التطبيق، ومن المتوقع بل المتوجب أن يكون للإدارة المحلية دور منشود بهيكليتها الجديدة.
بالتوازي مع ذلك، من المتوجب قراءة وإقرار العديد من آليات مكافحة الفساد التي تم طرحها خلال السنوات المنصرمة، وما أكثرها، وأرى أن إحدى الآليات تتم عبر استثمار خريجي الصحافة والإعلام في المزيد من المؤسسات الإعلامية، وتنشيط الإعلام الاستقصائي، وضرورة وجود مكتب إعلامي في كل مؤسسة، وعلى صلة فنية مع اتحاد الصحفيين ووزارة الإعلام، ليتاح للإعلام إلقاء دلوه في بئر الفساد العميقة، فالإعلام عين البلاد للدلالة على مرتكبي الخلل والفساد، إذ بمقدور الكثير من الإعلاميين تشخيص الداء ووصف الدواء، فالاستثمار في الإعلام استثمار ذو ربحية وطنية عالية؛ ما يوجب الحد الفوري من توجهات بعض الجهات المعنية التي تقيد التعامل مع الإعلام تأخيراً أو منعاً، والترخيص المدروس لقنوات إعلامية ودوريات إعلامية جديدة – رسمية وخاصة – والتوجيه بتوسيع القائم منها، وأن يتولى اتحاد الصحفيين تنظيم ملتقى إعلامي جماهيري دوري مفتوح مع رئيس مجلس الوزراء ومع كل وزير، ومع رئيس كل منظمة شعبية أو نقابية، مرتين في العاصمة على الأقل كل عام، ومرة في إحدى المحافظات، وملتقى إعلامي مماثل – ثلاث مرات على الأقل كل عام – مع كل مدير أو رئيس منظمة في محافظته، وأن يعمل أولو الأمر – الوزراء والمديرون – لأن يكون الإعلاميون المختصون وذووالخبرة بجانبهم، على غرار السيد الرئيس الذي لديه مستشارة في الإعلام، والسيد رئيس مجلس الوزراء الذي سبق له أن عين إعلامياً بارزاً رئيساً لمكتبه الصحفي، وعين مجدداً مستشاراً إعلامياً، فالإعلامي الخبير المؤهل حاجة ماسة لكل مسؤول.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية