في غياب فنون التواصل مع الآخرين.. خلافات وانقطاعات في الروابط الأسرية وعلاقات عمل فاشلة
الكثير من المواقف والمشكلات والخلافات مع الآخرين نتعرّض لها في حياتنا اليومية دون أن نعرف تماماً ما سببها، حيث تختلط علينا الأسباب التي أوصلتنا لمقاطعة الأهل، أو الإخوة، أو الأصدقاء، رغم وجود المشاعر الصادقة والمحبة لهم، وبالعامية نسمي هذا النوع من الخلافات “سوء تفاهم”، وهي تعني أن أطراف المشكلة لم يكونوا قادرين على فهم بعضهم، والوصول إلى فكرة واضحة تماماً، كل منهم يرى الأمور من وجهة نظر مختلفة، لهذا السبب أجريت الكثير من الدراسات التي توضح الطرق الصحية للتواصل مع الآخرين، والقدرة على إيصال أفكارنا دون سوء فهم من الآخرين، ولزيادة فاعلية حياتنا، وعملنا، وعلاقاتنا مع الآخرين.
التنشئة الخاطئة
يتمتع بعض الأشخاص بقدرتهم على التواصل مع الآخرين، والتحدث بلباقة، وامتلاك الشخصية القوية والمؤثرة بهم، وتعد هذه ملكة يهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان، ويخص بها شخصاً دون آخر، وفي المقابل نجد الكثير من الناس ممن لا يستطيعون التحدث إلى الآخرين، والتفاعل معهم بكفاءة، الأمر الذي يسبب الشعور بالحرج، والضيق، والميل للعزلة، ترى الباحثة الاجتماعية صفاء الأحمد أن مفهوم التواصل مع الآخرين هو التفاعل المتبادل بين الأشخاص، إما عن طريق التواصل اللفظي بالكلام، وغير اللفظي بالحركات ولغة الجسد، كما تختلف أسباب عدم القدرة على التواصل مع الآخرين حسب الأشخاص كالتربية، والتنشئة الخاطئة منذ الطفولة، حيث يقاطع الوالدان أبناءهما بعنف، ولا يسمحان لهم بالإدلاء بآرائهم في الخلافات والمشاكل العائلية بين الأم والأب، أي داخل الأسرة نفسها، ما يسبب الشعور بالحرمان والنقص أمام الآخرين من خلال استمرار المقارنة بينهم وبين الآخرين، وبالتالي التزام الصمت، والشعور بالخيبة والقلق من ردود الأفعال بعد التعبير عن الرأي أمام الآخرين، وينتج عدم القدرة على التواصل مع الآخرين من تأنيب الوالدين الدائم عند تعبير الشخص عن رأيه بالعصبية، والتوتر، والشعور بالضيق، وعدم امتلاك الثقافة، أو الشخصية اللازمة، أو الكلمات لبدء حديث جاد وممتع وذي فائدة!.
المخزون اللغوي
إن الفشل في تحقيق لفت انتباه العائلة، والناس عموماً، يسبب الانزواء والانكماش على الذات، والإصابة بأحد الأمراض التي تؤثر على التواصل كأمراض النطق والسمع والتأتأة، أو عدم إخراج بعض الحروف بطريقة صحيحة، وتتابع الأحمد: هناك عدة حلول للتواصل مع الآخرين ولنجاح هذا التواصل، تبدأ بدعم الأهل والأصدقاء الذين تهمهم مصلحة الإنسان بالدرجة الأولى، ثم مشاهدة الندوات والحلقات التي تبث على التلفاز أو الأنترنت لرفع الوعي، ولكسر الحواجز النفسية، وزيادة الثقافة والمخزون اللغوي من خلال تطوير النفس بالقراءة، ولابد من الحصول على الإرشاد النفسي من أطباء نفسيين وخبراء يساعدون على الخروج من الأزمات، والتخلص من المشكلة، وضرورة الابتعاد عن العزلة، والانخراط في جلسات كبيرة فيها العديد من الناس لتبادل الخبرات وتطويرها، وكسر الحاجز، علينا عدم اليأس من المرة الأولى، فالتغيير تدريجي، ولا يحدث بين ليلة وضحاها، فعدم القدرة على التعبير من المرة الأولى لا يعني الفشل، ولابد لنا من الاشتراك في مختلف الأنشطة الاجتماعية التي يلتقي فيها الناس ويتفاعلون ويتواصلون معاً لتعلّم حسن الإنصات والاستماع للآخرين، فالمستمع الجيد من شأنه أن يصبح متحدثاً جيداً في المستقبل.
التواصل الفعال
المرح وبساطة اختيار الكلمات يفتح للإنسان الدروب والقلوب، ويكسب محبة الناس، لذلك يعتبر التفاهم فناً من فنون التعامل والتواصل مع الآخرين، وهناك فرق واضح بين التواصل العادي والتواصل الفعال، حيث يتجلى هذا الفرق بمدى فعالية وقوة التواصل مع الآخرين، أستاذ التنمية البشرية غسان معلولي يشير إلى أن التواصل الفعال يجعل الشركاء متفهمين لبعضهم، ويجب أن يكون التفاهم وتقبّل الآخرين هو الهدف الأساسي من التواصل لا النزاع، فعندما يبدي الشخص تفهماً للآخرين واستماعاً جيداً لهم، حتى إن كان لا يتفق معهم في بعض الأحيان، فإنه يستطيع أن يحرز تقدماً في تعزيز هذه العلاقة أكثر، أيضاً من شأن التفاهم الحد من حدوث المشاكل، أو النزاع المتكرر، أو تبادل الكلمات المسيئة التي قد تكون قاسية في بعض الأحيان، وغيرها من المشاكل الأخرى، ويرى معلولي أن النساء اللواتي يحاولن فهم أزواجهن دون إلقاء الأحكام عليهم يجدن الشركاء محبين أكثر لهن، يعتمد التقدم في العمل على معرفة وتحديد فئة المستهدفين أو المتحدث إليهم، حيث إن أخذ الوقت الكافي لمعرفة ودراسة وفهم الجمهور من شأنه أن يكون مستحقاً للتقدير بين العاملين، كما أنه في الوقت ذاته يعمل على بناء وغرس الثقة بينهم، وغالباً ما يخلق فرصاً قيادية مستقبلية، فعندما يأخذ الشخص وقتاً للاطلاع على تاريخ عمل المؤسسة ونتاج تجاربها، فإن هذه خطوة جيدة بحد ذاتها في نيل ثقة الفريق أو القائمين على العمل، كما أنها تؤدي إلى إحداث تغيير قوي وفعال في ظروف العمل وتحسينها.
أمثلة واضحة
كلما أبدى الشخص تواصلاً فعالاً أكثر زادت قدرته على اجتياز وتأدية مقابلات العمل بصورة أفضل، والحد من المشاكل، ويرى معلولي أنه يمكن لمهارات التواصل الجيد أن تحد من الخلافات التي يواجهها الشخص، أو حتى تمنع حدوثها، فمعظم أنواع المشاكل تحدث بسبب مهارات التواصل السيئة والضعيفة، فأثناء العمل على سبيل المثال، يكون عدم رد مشرف العمل على تساؤلات العاملين، وعدم فتح باب للحوار معهم مثالاً على فشل مهارات التواصل التي تؤدي بدورها إلى حدوث مشاكل في العمل، ولكن مصارحة العاملين حول ظروف العمل ستدعم وتقوي الثقة بينهم، فالشركة الجيدة لا تنتظر حدوث مشكلة من أجل بدء التواصل والتحدث مع عامليها، وإذا كان هناك صدق وتواصل فعال طوال فترة العمل فسيكون هناك قدر كبير من الثقة بين المسؤول والعاملين، بحيث يحد من المشكلات، ويقدم أفضل الحلول لها.
ميادة حسن