الاغتيالات السياسية نهج النظام السعودي
د. معن منيف سليمان
دأب حكام بني سعود في الجزيرة العربية على انتهاج أسلوب الاغتيالات السياسيّة، لخفض أصوات المعارضة، ولطّخت بذلك أيديهم بدماء المعارضين والمنتقدين لنظام حكمهم، رافقته وحشية مفرطة في التنفيذ أحياناً، ولاشك أن مثل هذا الأسلوب يعدّ مخالفة للشرعية التي يتشدقون بها والمبادئ الإنسانية التي لايشكّ أحد أنهم يجهلون معرفتها، وغدا بذلك تاريخ بني سعود أشبه بتاريخ الذبح والتقطيع لمملكة أقلّ ما يمكن وصفها بمملكة الإجرام وملوكها بسفّاكي الدماء.
فالسعوديون الذين تخلّصوا من معارضيهم وزجّوا في السجون آلاف المواطنين الذين يلوّحون لهم بنوع من العدالة العامة، يتصدّون لكل تغيير يحاول النيل من العادات السعودية والنظم التي وضعها المشرّع الوهابي، فهم يحكمون البلاد على طريقة مذهبهم المستبد محمياً بالدين وولاية أولي الأمر.
إن الفساد والانحلال الذي تشهده مملكة بني سعود مردّه التنافس بين أولياء العهد وأمراء البيت الحاكم الذين ليس لهم سياسة حكيمة، لا في الشؤون الداخلية ولا في الشؤون الخارجية، فهم قليلو الخبرة بالشؤون السياسية، وينفقون الأموال العامة في سبيل شؤونهم الذاتية بصورة ليس في مقدور الشعب والبلاد احتمالها، ويشوشون الأمور الدينية والزمنية مخرّبين البلاد والعباد، حتى بات بقاؤهم مضرّاً بالمملكة والشعب المغيّب عن الساحة السياسية تماماً.
لم تكن قضية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي الأولى ولن تكون الأخيرة، بل سبقتها قضايا قتل لا تقلّ عنها بشاعة ولا إجراماً، فتاريخ بني سعود في التخلص من معارضيهم تاريخ أسود حافل بالإجرام والقمع والاستبداد وقطع الرؤوس والتنكيل، ومنذ اغتيل ناصر السعيد سنة 1979 كأول معارض سعودي ومروراً بكافة الاغتيالات السياسية لمعارضين سعوديين، سواء عبر استدعائهم إلى المملكة واختفائهم بظروف غامضة، أو عبر تصفيتهم خارج المملكة، والسعوديون معتادون على الإفلات من العقاب عن كل جرائمهم لأنهم يملكون المال لشراء الضمائر وإسكات الأصوات.
كان ناصر السعيد يعمل في شركة آرامكو منذ سنة 1947، وقد قاد في سنة 1953 انتفاضة العمال في السعودية لدعم وتحرير فلسطين فاعتقل ولبث في السجن بضع سنين ثم أُفرج عنه. وفي سنة 1956 وبعد سلسلة مضايقات من رجال السلطة غادر إلى مصر وهناك بدأ يعارض حكم بني سعود في إذاعة صوت العرب، وبقي حتى سنة 1963 حيث انتقل إلى اليمن وأسّس هناك مكتباً للمعارضة، وبعدها انتقل إلى سورية، ثم أتته دعوة لحضور لقاء صحفي تجريه معه عدة صحف أجنبية في بيروت، وبعد انتهاء اللقاء خرج متأخراً وكانت المخابرات السعودية تنتظره أمام المبنى بالتنسيق مع السفير السعودي في لبنان، وجرى اختطافه ونقل إلى الرياض، ويقال إن عملية تصفيته تمّت بطريقة بشعة للغاية عبر إلقائه من الطائرة في الصحراء، وذلك في شهر كانون الأول سنة 1979.
إن أسلوب استدراج الضحية ثم الاختطاف والتصفية بات بصمة مميزة تعرف بها السعودية، فكما استُدرج المعارض ناصر السعيد استُدرج أيضاً الأمير سلطان بن تركي الذي كان على خلاف مع السلطة الحاكمة، وقد تمكّن من الخروج من البلاد بداعي العلاج في سنة 2002، واستقر في مدينة جنيف بسويسرا، وبدأ من هناك يبثّ تصريحات ينتقد فيها الأسرة الحاكمة في السعودية، وفي سنة 2003، استُدرج من قبل وزير الدولة للشؤون الإسلامية والأمير عبد العزيز بن فهد ابن عم الأمير سلطان إلى قصر الملك عبد العزيز في جنيف بهدف حلّ الخلاف مع السلطات، وهناك جرى حقنه بحقنة منومة فقد الوعي على إثرها، ونقل إلى السعودية ووضع تحت الإقامة الجبرية لمدة سبعة أشهر، وفي 12 كانون الثاني سنة 2004، استطاع الحصول على هاتفه وإجراء اتصالٍ بقناة الجزيرة القطرية قال فيه إنه يتهم الأشخاص المذكورين آنفاً باختطافه ويطالب بمحاكمتهم علناً، ومن يومها اختفى الرجل لمدة اثنتي عشرة سنة وقد اشتد عليه المرض فقررت السلطات ترحيله إلى أوروبا لتلقي العلاج، حيث تمكّن من الفرار وظهر في فرنسا سنة 2016، وفي ذات مرة وعندما كان ذاهباً باتجاه المطار للسفر، وهناك جرى اختطافه مع مرافقيه ورحّلوا إلى السعودية حيث اختفى الرجل ولم يعد يُسمع عنه.
وبشكل مشابه جرى استدراج الأمير تركي بن بندر آل سعود، وكان ضابطاً برتبة رائد في الشرطة السعودية، وقد غادر البلاد إلى باريس وهناك بدأ ببث مقاطع فيديو ينتقد فيها الأسرة الحاكمة وذلك في سنة 2012، ولم يزل على هذه الحال إلى سنة 2015، حيث استدرجه بعض المقربين إليه للاستثمار في المغرب العربي، وفور وصوله إلى المطار جرى اختطافه ورُحّل إلى الرياض واختفى ذكره من يومها.
وبالأسلوب نفسه استُدرج الأمير سعود بن سيف النصر، الذي غادر البلاد سنة 2014 إلى إيطاليا، وهناك شرع بمهاجمة أسرة آل سعود على “اليوتيوب” والدعوة إلى الانقلاب عليهم، وبقي إلى سنة 2015، إلى أن اتصلت به شركة روسية إيطالية تدّعي أن لديها استثمارات في منطقة الخليج والأمر يتطلب حضوره شخصياً، فأرسلوا إليه طائرة خاصة وجرى اختطافه ونقله إلى الرياض، واختفى الرجل من يومها.
وكذلك استُدرج نواف بن طلال آل الرشيد، واختطف من الكويت سنة 2018، والأمير عبد العزيز بن فهد الذي استدرج سلطان بن تركي، واختفى هو الآخر في سنة 2017، واستُدرج المعارض وجدي غزاوي وألقي في السجن.
وهناك قائمة من المطلوبين في الخارج مثل خالد بن فرحان آل سعود، والدكتور سعد الفقيه مؤسس حركة الإصلاح الإسلامي، وهو في لندن منذ تسعينات القرن المنصرم، ومازال هؤلاء يتلقون التهديدات تلو الأخرى حتى الآن، إضافة إلى الحملة التي طالت الأمراء والعلماء ورجال الأعمال في الرياض.
هذا غيض من فيض من طرق وأساليب النظام السعودي في سحق المعارضين والمنتقدين له، وما زال الغموض يلفّ الكثير من القضايا التي ذهب ضحيتها عدد كبير من معارضي النظام السعودي، وهي بمجموعها تفضح الأسلوب الممنهج الذي يتبعه حكام بني سعود في التعاطي مع المعارضين السياسيين، وكان آخرها قضية الصحفي المعارض جمال خاشقجي التي أصبحت قضية رأي عام عالمي، واتُخذت فرصة لابتزاز النظام السعودي والنيل منه.