وجه آخر للفساد..!
لا يزال الهدر يفرضُ نفسه كآفةٍ ارتضاها القطاع العام بالمجمل، كعرف منافٍ للمنطق الاقتصادي المعتمد على حسابات دقيقة لكل شاردة وواردة لاستثمار أي معطى أو مقوم ما، لتحقيق مخرجات مجزية بأقل تكلفة للمدخلات بغض النظر عن مدى توافر الأخيرة!
وإذا ما اعتبرنا أن اللامبالاة هي البذرة الأولى لنمو ظاهرة الهدر، وأن البيئة الاجتماعية العامة وما يحكمها من قيم ومسلكيات هي من ساعد على نمو هذه الظاهرة، إلا أن اشتداد تجذرها في المفاصل الحكومية أفسح المجال واسعاً لانتشار الفساد بكل أشكاله ومسمياته!
لقد تغلغلت هذه الآفة في جميع القطاعات، نفط، غذاء، صناعة، تجارة، زراعة، سياحة، مناسبات اجتماعية، أعياد.. إلخ. فاستيراد الكماليات لبلد أحوج ما يكون للقطع الأجنبي، ويجتهد لفتح منافذ تصديرية -ولو بالحدّ الأدنى- عسى أن يعوض ويرمم ما تصدع من اقتصاده وليرته المأزومين، ما هو إلا الهدر بعينه!
وفي الوقت الذي يحظر فيه هدر الطاقة الكهربائية سواء على مستوى الأفراد والأسر، أم على مستوى المؤسسات الحكومية، نعتقد بوجوب أن يكون هناك خط أحمر للبذخ المبالغ فيه في بعض حفلات وولائم الخمس نجوم…!
نعتقد أن مكافحة هذه الآفة تبدأ من الذات الشخصية، مروراً بالتربية الأخلاقية والحملات الإعلامية للترشيد، وليس انتهاء بالمحاسبة الصارمة، بالتوازي مع توسيع دائرة الأجهزة الرقابية وتركيزها على محرق الهدر لاستئصاله قدر المستطاع..!
لا ضير أن نستحضر في هذا السياق بعضاً من التجربة الصينية.. فرغم كل ما يُقال عن الصين وبالتحديد “إنتاج السلع الرخيصة” فلا شك أنها قد تسبّبت في ارتفاع رفاهية الفقراء في العالم، نتيجة إنتهاجها لسياسة الترشيد باستثمار الموارد من جهة، واستهلاك مخرجاتها من جهة ثانية..وإلا لما تمكن فقراء العالم من شراء معظم الأجهزة المنزلية والملابس، وحمل الهواتف النقالة في أيديهم وغير ذلك بسعر رخيص!
نجزم وبالفم الملآن أن المحافظة على المال العام والخاص والثروات الوطنية من الاستنزاف بات أحد أهم عناوين هذه المرحلة، ويقتضي من جميع الجهات العامة والخاصة ومنظمات واتحادات المجتمع المدني والاقتصادي حشد الجهود لاجتثاث هذه الآفة، وتعميم ثقافة الترشيد على جميع المستويات.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com