ثقافةصحيفة البعث

عمر النص..الأعمال الشعرية في ندوة

 

“وقد جلستُ في حضرته وهو يتسامر مع جدي محدقاً بإعجاب  بكل تعابير وجهه وبإيماءات يديه وتفاصيل ثيابه، لقد كان في كل هذا أشبه بلورد إنكليزي حقيقي” بهذه الجمل التي خطّها وزير الثقافة محمد الأحمد في مقدمة كتاب”الأعمال الشعرية الكاملة لعمر النص”، الذي ضم مقتطفات من قصائد دواوينه الخمسة.

بدأ د. ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الندوة النقدية والتحليلية التي أقامتها الهيئة مع لجنة تمكين اللغة العربية في وزارة الثقافة احتفالاً باليوم العالمي للغة العربية في المركز الثقافي العربي في –أبو رمانة- ولم تكن ندوة مثل سائر الندوات إذ اتخذت الطابع البحثي الموضوعي المحقق بخواص شعر عمر النص- الذي لم يأخذ ما يستحقه من الشهرة والنقد ولم ينتشر شعره جماهيرياً.

تجديده بالأوزان والقوافي

ومن مقولة”إن ما يميز الشعر عن سائر القول هو الوزن” بدأ د. شفيق بيطار بتناول غزارة الموسيقا في شعر عمر النص من خلال الأعمال الشعرية الكاملة التي ضمت مئة وإحدى وثلاثين قصيدة باستخدامه قرابة ثلاثة عشر بحراً من بحور الشعر العربي في قصائده، وتجديده في بعض الأوزان مستحضراً الشواهد الشعرية من الديوان الكامل، إذ جدد النص بالبحر الطويل فجاء به مشطوراً والعرب لم تستعمله بهذا الشكل، وحقق القافية في كل شطر في بعض القصائد، ولم يأت بالبحر البسيط على النحو الذي نعرفه، وإنما جاء به مشطوراً مخلعاً في ثلاثة مواضع، أما البحر الكامل فكان أكثر البحور استعمالاً، وتوقف د. بيطار عند بحر  الهزج الذي لم يستعمله مع أنه بحر لطيف كما وصفه، وتابع عن استخدامه بحر السريع والخفيف وجاء بالمنسرح مشطوراً، كما أنه لم يستخدم بحر المقتضب واستخدم المجتث مرة واحدة.

التشعيث والتدوير

وتحدث د. بيطار عن تجديده بالقوافي بشكل جديد بالبحر البسيط بقافية بالشطر الأول وقافية بالشطر الثاني، كما جدد ببحر المتقارب بأربع تفعيلات بالشطر الأول وثلاث تفعيلات بالشطر الثاني، والأمر الجميل أنه جعل المثلث في البحر الوافر بالشطر الثالث، وأضاف عن القوافي الداخلية.

الأمر الهام الذي بيّنه د. بيطار هو مصطلح التشعيث والتدوير في شعره، لينتقل إلى ربط الإنشاء بالمعاني بمستوى جرس الحروف وطاقات اللفظ العربي، واستثمار طاقة الحرف العربي، واستخدامه حروف القلقلة وزيادة حروف الهمس.

المقاربة مع القباني

المدرسة الرومانسية في الشعر العربي كانت المحور الأساسي الذي استند إليه الأديب بيان الصفدي في تحليله للتجديد والتطور الذي أضافه عمر النص إلى القصيدة، إضافة إلى تجديده بالشكل العمودي وبتقليدية القصيدة، فأوجد بذلك مقاربة في التجديد بالشعر بينه وبين بدوي الجبل وعمر أبو ريشة وأنور العطار الذين أدخلوا نكهة جديدة إلى روح القصيدة العربية بالقصيدة الرومانسية التي ثارت على المناسبة وعبّرت عن بوح ذاتي بقلق الحياة.

الحبّ الضائع

والفكرة الثانية التي تطرق إليها الصفدي هي التقارب بين النص ونزار قباني ليس بشاعرية القصيدة فقط وإنما بدراسة القانون والدخول إلى عوالم السياسة، وبرأي الصفدي أن النص اتصف بأناقة القصيدة في حين نزار قباني كان أكثر جرأة كونه شاعراً متمرداً، ليصل الصفدي إلى الحبّ المفقود في قصائد النص المهاجر وراء البحار الضائع الباقي بالأضلاع  فباحت حروفه بآلام الفقد بالحزن الدفين.

الحب ارتبط بنظرة عمر النص إلى المرأة البعيدة عن التقليدية أيضاً من حيث الوصف الخارجي لتكويناتها الجسدية، وإنما بملامسته شتى المشاعر التي تجمعه معها لاسيما بالتباعد والنأي.

ومن حيث الشكل الشعري توقف الصفدي عند أمر هام وهو كتابة عمر النصّ قصيدة واحدة على نمط التفعيلة تعكس ما بداخله ضمن تغيير منظومة كاملة من الدوافع الثقافية، ليخلص إلى ميله إلى الشعر الخفيف بأوزانه وإيقاعياته وبأن التجديد الذي أحدثه كان شكلاً من أشكال التجديد الإيقاعي.

المقاربة مع البحتري

وحلل د. محمد عبد الله قاسم خصوصية اللغة العربية بشعر عمر النص الذي غاص في لآلئ اللغة العربية فجمع بين جزالة المفردات ورقة العاطفة، فحفلت القصيدة لديه بالصدق والأصالة والتجديد في الوقت ذاته بالشكل والمضمون، لاسيما أن النص اهتم بالمعاني وقوة التعبير وجمالية الألفاظ  فقارب بينه وبين البحتري.

ودخل قاسم في متن الموضوع الأساسي بتأكيده بأن عمر النص خبر القواعد النحوية بذكره قاعدة بالنحو عدّت ضرباً من الاجتهاد بإيجاز إعراب الملحقات بجمع المذكر السالم مثل السنين بالحركات بدلاً من الواو والنون أو الياء والنون.

لغة سمحة

وفي أسلوبه الشعري اعتمد على الأساليب الإنشائية” أتجعل الليل لها محشرا”  بالاستفهام والأمر والتمني والنهي والنداء، لأنه مسكون بالهواجس ودائب التفكير وكثير التساؤلات والماضي بالحلم، ليصل إلى أن لغته سمحة شُحنت بدلالات الألم نابضة بالمجازات وباندماج الشاعر بمفردات الكون بالليل بالبحر بالطير، فتجربته الشعرية تجعل الندى يحترق.

الفكرة الهامة التي توقف عندها قاسم هي تكرار مفردة الدروب بعناوين قصائده بوصف الطريق”ظلال على دروبي يدفعها الهوى”، وتابع بحضور التناص في شعره واستناده إلى الاشتقاق وقوة الإيحاء ودلالات تزلزل وحشة الكون ووشوشة خفية لتسمو القصيدة نحو عالم وردي، عام البيان المشحون بالألم الذاتي الناخل.

الأسطورة الشرقية

وبعد كل ما قيل لم يكن هناك الكثير من المداخلات باستثناء بعض الآراء مثل إغراق عمر النص بالأسطورة الشرقية وليس الإغريقية، وبأنه تفوق في قصائد على الأخطل الصغير وعمر أبو ريشة، وباستبدال مصطلح شعر المناسبات بشعر الموضوعات، وفي نهاية الندوة أعرب حسان عمر النص عن سعادته بما قدمته وزارة الثقافة وعن تعاونه مع الوزارة بكل ما يتعلق بنتاج والده الأدبي.

ملده شويكاني